للمرأة قبل نصف قرن من الزمان؛ سجل حافل بالكدح والكفاح، والتضحية والعطاء ، إذ كانت كالنحلة العاملة؛ لا تهدأ عن الحركة ، ولا تتوقف عن النشاط ؛ قدمت جهدها ، وبذلت وقتها؛ في خدمة زوجها، ورعاية أبنائها، فحافظت بذلك على نفسها، وارتقت بأسرتها، وساهمت في بناء مجتمعها . كانت المرأة (القروية والبدوية )؛ تقوم بالأعمال الشاقة، وتتولى المهام الصعبة، وتتحمل المسؤوليات الكبيرة ، وتقضي الأشغال الكثيرة، خذوا مثلاً: كانت تجلب الحطب. وتوقد النار للطبخ والتدفئة. وتجهز الأكل والقهوة. وتطحن الحَبِّ بالرحاة. وتصنع الخبز. وتحبس البهم. وترعى الغنم. وتلقّم البقر. وتحلب الشاه. وتمخض اللبن. وتطرح العلف للدواب. وتدهن البيت،وتصلح تراب سقفه وجدرانه وأرضيته. وتشارك في الحرث والتسميد والري والصرام والدياس . وتجلب الماء من البئر. وتنظف البيت. وتخيط الملابس. وتنسج الصوف. وتعتني بالعيال. تصنع كل شيء؛ ورضيعها في جنبها بالميزب. وقبل كل هذا ؛ تهتم بإرضاء بعلها، وتسعى في خدمته ، وتحرص على إسعاده. عملت المرأة قديماً بهمّة متوثبة، وروح متحمسة ، ونفس راضية ، كان عليها لباس الحشمة، ورداء العفة، ووشاح الطهارة، يساعدها الرجل في أعمالها، ويساندها في تنفيذ مهامها، إلا إنها كانت تشتكي من الضنك ،والجور، والإذلال، وكان في زمنها بعض البدع والخرافات، وذلك نتيجة لضعف الالتزام الديني ، وقلة الوعي الثقافي، وشيوع الأمية والفقر بين أفراد المجتمع. وأما حالها مع حال المرأة في زماننا هذا؛ فلا مجال للمقارنة بينهما؛ المرأة اليوم محمولة ، مكفولة ، مخدومة، ومعززة ومكرمة،لا نصب، ولا تعب، ولا جوع، ولا معاناة. وكانت للنساء فيما مضى؛ عطاء أدبي مميز، له خصائصه وسماته وموضوعاته الخاصة؛ التي لا يمكن للرجل أن يصل إليها، فالعاطفة لدى المرأة أكثر غزارة من الرجل ، إذ نجد في أشعارها؛ هواجس وهموم، وحب وحنين ، وتوجيه ومناصحة، وفيها كذلك صورة لبعض الجوانب الثقافية والاجتماعية للبيئة التي عاشت فيها. وكانت ألسنة النساء تردد الشعر في مواقف كثيرة، وفي مناسبات عديدة، فهو أسلوب اتصال، وناقل أفكار، وناشر أخبار، فكان له من الاهتمام ؛ الحيز الوفير ، وكان للشاعرات المكانة المرموقة، والكلمة المسموعة . وفيما يلي مقتطفات موجزة؛ من أبيات وأهازيج شعرية، كانت تقال في بعض المواقف النسائية، والمناسبات الاجتماعية، والتي نلمس فيها معانٍ قيمة، وإبداعات جميلة. ********** صلوا على المصطفى واقروا معي سورة الناس .... فلانة يا خاتم الفضة ويا خاتم الماس. ********** سلام يا صُفّة البسكوت ومهلبيّه .... ياليتني مثلكم والشّيب ما حَنّ فيّه. صُفّة: جيل. ********** يضيح لأهل القرى والبادية يقتدُوبه .... وان غاب عنّا القمر غاب البصر عن عيوني. يضيح: يضيء ********** شرَط لنا في دارِنا ذبْح ناقة .... وآثاره ما يلقى لثوبه بناقة. تتحسر على حالها مع زوجها. ********** ألعبن يازينات ياسمن عُكّه .... ون كان ماجا صيف فالجغن لُكّه. إذا عُدِم محصول القمحٍ من الأرض؛ فامضغن اللبان. ********** والله لو تغسل بصابون مكة .... يا خلقة الله ما معي مِنك فكّه. فكّه: خَلاص. ********** فلانة يا مَحسَن الحنّا في أقدامك ....أهلك حكومة وباقي الناس خُدامك. ********** ياويل ذي تأخذ منكِّس عِقاله.... خذي لك من الزراع مستور حاله. ********** فلانة يا كادي الأصادَر لا فاح ريحه .... أمك تقل لا رِضِي بالك فأنا مستريحة. ********** الحمد لله أبي شرا لي قلادة .... واحوق دُمْنه واندره في بلاده. جمع مخلفات المواشي، وزرق الدواجن، ليوضع في أرض زراعية. ********** ياما طردنا في الدنيا وياكم لحقنا.... ماهيب قواتنا لكنّ ربي رزقنا. ********** أما بنات السوق ما ينقرِبنه.... إن جعن صحنه و إن شبعن أنبطحه. تعبير عن ذم الكسل، وعدم الصبر. ********** يا تاج لا تبكين ينهلّ كُحلك .... والكحل غالي ما يجي إلا لمثلك. ********** فلانه يا سيف مطلي بالذهب ينبدا به .... أبوك مثل الملك فيصل في أول شبابه. ينبدا به: يجمِّل ويشرِّف. ********** أمك تقل يا قازتي وين تغدين ... ودّعتك الرحمن من حيث تلقين. قالتها أم في يوم زواج ابنتها، والقازة مصباح قديم. ********** بالله ياكلّ شاعر تبتعد عن طريقي.... خلوني أمدح في الأبطال حتى الغروب. ********** والله ما دوّر الفتنه ولا ابغي المشاكِل،،، واقول ياذا سترت اليوم تستر لبُكره. ********** ملاحظة مهمة: هذه المقالة ؛بيان عن حقبة زمنية قديمة، لكنها ليست دعوة إلى إقحام النساء في أعمال تخص الرجال، وإنما هي دعوة إلى زيادة تحمل المسؤولية الأسرية والاجتماعية، راجياً أن نجد في بناتنا؛ من تهتم بدراسة هذا المجال، وذلك بإبراز الجوانب المضيئة من حياة الأمهات في الزمن الماضي.