بعض أعضاء المجالس البلدية ينتقدون هيمنة المجالس المحلية في محافظاتهم على القرارات، ويعبرون عن تذمرهم من ذلك، وهم يتناسون أو ينسون أن المجلس البلدي شكل مُفرغ من مضمونه منذ تكوينه، ولا يعدو أن يكون مثل الدكتوراه المزورة التي اشتراها أصحابها للوجاهة في المجالس وأخبار الصحف، فالمجلس البلدي تابع للبلدية في كل محافظة، والبلدية ليست سوى عضو واحد في المجلس المحلي، وهنا يكون من الطبيعي أن يهيمن المجلس المحلي على القرارات كلها في المحافظة، فهو يضم جميع الإدارات فيها، إضافة إلى عدد مماثل من المواطنين المعينين، ويرأسه المحافظ، وهذا يعني أن توصيات المجلس البلدي وانتقاداته والتصريحات الفخمة لأعضائه لاقيمة لها إلا عند البلدية التي لها أن تقبل منها أو ترفض ما تشاء دون أن يرف لها جفن، أما المجالس المحلية فهي لا تعترف أصلا بالمجالس البلدية ولا تلتفت إليها، وإنما تتعامل مع بلدية أو أمانة المحافظة. لقد قلت أكثر من مرة: إننا أخذنا ببريق اسم "المجلس البلدي" قياسا على مضمونه في بعض البلدان المتقدمة، فأخذناه شكلا بلا مضمون وأجرينا له انتخابات، بينما الأولى بهذه الانتخابات هو المجلس المحلي. إن المجلس المحلي عندنا يعني المجلس البلدي عندهم، لكننا فيما يبدو أردنا أن "نخمهم" بالاسم، فخدعنا أنفسنا، ومع أن الصورة أصبحت واضحة تماما بعد مرور بضع سنوات إلا أننا مصرون على الاستمرار في التجربة التي إن كُتب لها نجاح انتخابات الدورة الأولى فإنه نجاح في غير مكانه، لأن الانتخابات في حد ذاتها ليست هدفا، ولهذا فإن الأجدى أن تتحول الانتخابات من الآن للمجالس المحلية، بحيث يتم انتخاب نصفها المعيّن من المواطنين، وهنا يمكننا أن نوضح للعالم الذي يهمنا أن يعرف أن لدينا انتخابات أنّ (المجلس المحلي) عندنا هو مايعادل (المجلس البلدي)عندهم، فالتوضيح ليس صعبا والاسم ليس مهما فالأهم أن يكون لهذا الاسم فعالية في حياة الناس. أما إذا كنا مصرّين على استمرار المجالس البلدية بصورتها الهامشية الحالية، بحجة مراقبة أعمال البلديات، فإن المنطق يفرض أن يكون هناك مجلس منتخب يراقب أداء كل إدارة من الإدارات الأعضاء في المجالس المحليّة، فيكون إلى جوار المجلس البلدي مجلس صحي وآخر تعليمي وثالث مروري.. إلخ وهكذا يكون لدينا أكثر من عشرين مجلسا منتخبا في كل محافظة وهات يا انتخابات. إن على أعضاء المجالس البلدية ألا يتذمروا ولا يندهشوا من هيمنة المجالس المحلية على قرارات المحافظات، وإنما الأجدر بهم أن يتساءلوا بعد التجربة: ما فائدة وجدوى وجودهم من الأساس؟ هذا هو السؤال الأهم!!.