المجلس البلدي في كل بلدان الدنيا قديما وحديثا معنيٌ بكل شؤون المدينة التي يمثلها بمعنى أنه مسؤول عن مراقبة ومتابعة ومناقشة كل شؤون هذه المدينة الصحية والتعليمية والبلدية والاجتماعية والثقافية وغيرها ، فهو الذي يحدد حاجات المدينة من كل شيء وهو الذي يسعى إلى تلبية هذه الحاجات وهو الذي يراقب تنفيذها من خلال مختلف الإدارات المعنية بالتنفيذ بما في ذلك الرقابة المالية ومناقشة ميزانية المدينة كلها وأوجه صرفها ، وهكذا ، ولهذا صار اسمه المجلس البلدي لأن المسمى يقتضي أن يكون هذا المجلس معنيا بكل شؤون البلد حتى يكون اسما على مسمى . نحن في المملكة انشغلنا بمناقشة الهوامش وتركنا المتن ، فمنذ ولادة فكرة المجالس البلدية قبل أكثر من سبع سنوات عن طريق وزارة الشؤون البلدية كان واضحا في نص الفكرة والنظام أنها لجان تابعة للوزارة ولا يصح أن تحمل مسمى المجلس البلدي ، لكننا قفزنا على هذه النقطة الجوهرية ورحنا نناقش ونتجادل حول مشاركة المرأة والصلاحيات ونحو ذلك ، وتركنا مناقشة المتن والجوهر المتعلق بالفكرة نفسها ، فأصبح العالم وهو يتابع سجالاتنا حول المجالس البلدية يظن أنها كالتي عندهم ولا يعلم أننا أخذنا الاسم من دون المسمى ، فما لدينا هو لجان تابعة لوزارة الشؤون البلدية وليست مجالس بلدية بمسماها المعروف . المجالس البلدية الحقيقية الموجودة في الدنيا كلها ، لها ما يماثلها في تركيبتنا الإدارية وهذا المماثل هو المجالس المحلية في المحافظات ، ففي كل محافظة من محافظات المملكة مجلس محلي يضم في عضويته مديري جميع الإدارات الحكومية في المحافظة مع عدد مماثل لهم من المواطنين الذين يجري تعيينهم من قبل وزارة الداخلية والمحافظ هو رئيس المجلس ، إذن (المجلس البلدي) الحقيقي عند العالم يقابله عندنا (المجلس المحلي) والفرق هو في آلية التكوين ، فالمجالس البلدية في العالم منتخبة والمجالس المحلية عندنا معينة ومعنى هذا أن فكرة انتخابات النصف من الأعضاء كان يجب أن تتجه إلى المجالس المحلية وليس إلى لجان وزارة البلديات التي سميناها مجالس لتكون شكلا بلا مضمون . أول أمس مثلا اجتمع أمير مكة بالمجلس المحلي بالطائف أثناء زيارته لها لأنه هو المجلس المعني بكل شؤونها وشجونها ، ولم يجتمع بالمجلس البلدي ولم يسأل عنه لأنه لا علاقة له به وهذا هو الحال في جميع المناطق ، فالمجالس المحلية في الواقع العملي هي من يستحق أن نسميه المجالس البلدية ، وليس هذه اللجان التي حملت اسما لا تستحقه في الواقع العملي ، لكنها فيما يبدو غواية الاسم التي صرفت أنظار الناس عن جوهر الفعل إلى هوامشه التي تضخمت حتى غطت على حقيقة أن كل هذه (الهلمه) الانتخابية في كل محافظة تدور حول لجنة لوزارة البلديات . والآن تأملوا هذه الصورة: رئيس البلدية أو الأمين ولجنته البلدية المنتخب نصفها والمسماة خطأ (مجلس) كلهم عبارة عن عضو واحد في المجلس المحلي ، أفلا يحق لبقية أعضاء المجلس المحلي أن يكون لكل منهم لجنة رديفة ، فتقوم وزارة الصحة مثلا وتجري انتخابات مثل وزارة البلديات في كافة المحافظات لتكوين لجان صحية وتسميها المجالس الصحية وهكذا تفعل بقية الوزارات ويكون لكل وزير حصته في التحضر الانتخابي باعتبار أن الانتخابات عندنا كما هو واضح هي الهدف (بروبوغندا) وليس ما تفضي إليه . فكرة هذا المقال وبدون مبالغة أكتبها للمرة الألف حيث كررتها طيلة السنوات الماضية لكن لم يلتفت لها أحد ولم يعلق عليها أحد من المسؤولين ، ولأنني مقتنع بها ومتألم من ضياع الجهد والوقت والمال التي نهدرها في غير مواقعها الطبيعية المنطقية سأظل أكررها حتى أجد من يتأملها بموضوعية أو يقنعني بخطئها ، فتأملوا في المجالس المحلية وقارنوا بين ما يحدث الآن وما يجب أن يحدث ثم هات الرأي .