ما أجملها من صورة يظلُّ بها شهر الصيام متميِّزاً عن غيره من الشهور، صورة صلاة (التراويح) تنقلها لنا بعض الفضائيات نقلاً مباشراً من المسجد الحرام والمسجد النبوي، فنرى هذه الصلاة المباركة يؤدِّيها عشرات الآلاف من المصلِّين خاشعين مخبتين لربِّ العالمين، يؤدُّونها بنظامها البديع الذي دعا كثيراً من غير المسلمين إلى الإسلام حينما تأمَّلوه، ورأوا ما فيه من الدِّقة في المتابعة دِقَّة لا يمكن أن تتحقَّق إلاَّ في هذا المقام، مقام الصلاة. صورة جميلة للقيام والركوع والسجود والجلوس وتكبيرة الإحرام ابتداءً وإعلان السلام انتهاءً، ولوجوه المصلين المفعمة بالرضا والسعادة، الطافحة بأنوار الاطمئنان والاستبشار. صورة لصلاة التراويح في المسجدين المباركين، المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، تتم - بفضل الله علينا - في أمنٍ وأمانٍ، وراحةٍ واطمئنان، وخدمة جليلة تقدم لهذه الأعداد الغفيرة من المصلين تبذلها رئاسة الحرمين الشريفين من جانب، والجهات المعنيَّة بخدمات المصلين والمعتمرين من جهات حكومية متعدِّدة من جانب ثانٍ، وفاعلوا الخير الذين يبذلون ما يستطيعون طلباً للأجر من جانب ثالث. ولعلّ جمال هذه الصورة قد أصبح محلّ اتفاق عند من يراها من قريب أو بعيد، حتى أولئك الذين لم تلامس بشاشة الإيمان قلوبَهم، ولم يفوزوا بالدخول إلى حوزة الإسلام بَعْدُ، يعبِّرون عن إعجابهم الكبير بهذه الصورة البديعة. تبقى صورة ثالث المسجدين المباركين في هذا الشهر الكريم غائبة عن هذا الإطار الروحي الجميل، لأنّ رؤيتها متكاملةً ما تزال حلماً من أحلام المسلمين التي لم تتحقّق، وأملاً من آمالهم التي لم يصلوا إليها. فمنذ بداية الإعلان عن شهر رمضان المبارك، وجنود الأعداء المدجَّجون بالسلاح يقفون في طرقات المسلمين المتَّجهين إلى المسجد الأقصى لإحيائه بالصلاة وقراءة القرآن والذِّكر في رمضان، يصدُّونهم، ويحُولون بينهم وبين الفوز بالصلاة فيه، ويمنعونهم من الأجر العظيم الذي ينتظر من يصلي في المسجد الأقصى، ومع أنّ الأقصى قد امتلأ بالمصلين في أوَّل ليلة من ليالي رمضان، إلاّ أنّ الخوف من قسوة جنود الأعداء هو المسيطر على الموقف في ساحات أقصانا السليب، لأنّ المشهد ما زال محزناً بسبب اعتداء جنود الاحتلال على كثير من المصلِّين بالسب والشتم، والضرب القاسي الذي قد يودي بحياة الإنسان، بل وبالقتل المتعَّمد بالرَّصاص كما هو مشاهَد معلوم أحياناً. رمضان المبارك يأتي كلَّ عام والمسجد الأقصى على هذه الحال منذ حوالي ستين عاماً، فمتى توضع الصورة المشرقة في الإطار؟ ومتى ينضم المسجد الأقصى الحبيب إلى مسجدَيْنا الحبيبين في مكة والمدينة أمناً وهدوءاً وراحةً واطمئناناً؟ إنَّ الأمل في الله كبير، وإنَّ الحقَّ سينتصر بإذن الله نصراً حاسماً يعود به المسجد الأقصى إلى مقامه الرفيع تحت رعاية المسلمين وعنايتهم، ليُضيء بصور المساجد الثلاثة المباركة إطارها الجميل. إشارة: إني برغم الحزن لستُ بيائسٍ=فالفجر من رحم الظلام سيُولد