أحياناً تراودني أفكار غير واضحة ومشوشة عندما تقع عيناي على بعض الأخبار التي تصيبني بحزن شديد وكآبة مؤقتة. ربما لأن الخبر يذكر النتيجة دون مبررات ومقدمات، في حين قد يكمن في التفاصيل شيطان كبير. ومن المقلق المحبط المحزن ما نشرته الوطن (1 يوليو) عن قرار اللجنة الطبية الشرعية بجدة إذ أوصت بتغريم 3 أطباء مبلغ 6 آلاف ريال لا غير والمستوصف الأهلي الذي يعملون فيه مبلغ 5 آلاف أخرى، مقابل صرفهم أدوية خاطئة لطفلة عمرها 6 سنوات سببّت لها إصابة دائمة بمرض السكري. وقال والد الطفلة أنه أصيب بخيبة أمل كبيرة لأن الحكم الموقر صدر بعد عامين من المراجعات المضنية، وكأن الرجل صام طويلاً ثم أفطر على بصلة. ومن وجهة نظر شخصية أرى أن تُحال هذه اللجنة إلى التقاعد المؤبد، فهي على ما يبدو دائماً في صف الجهة الأقوى ممثلة في الأطباء والمستشفيات، متناسية كم المعاناة التي يعانيها الطرف المتضرر. والجمعة قبل الماضية ساق الأستاذ تركي الدخيل لنا مثلاً آخر هو الشاب مهند أبو دية الذي بُترت ساقه بسبب جشع طبيب وإهمال مستشفى. يقول مهند مضى على الحادثة أكثر من عامين والشكوى قائمة والطبيب هرب، والمحصلة في النهاية لن تتجاوز غرامة آلاف قليلة لا تتجاوز نصف راتب الطبيب، خوش عقوبة. وإذا كان لا بد من استمرار هذه اللجنة، فلا أكثر من تفويضها بصلاحية تقرير حدوث الخطأ من عدمه، ويُترك للجنة أخرى تقرير حجم التعويض المناسب، يشارك فيها اجتماعيون واقتصاديون يدركون حجم الخسائر المالية المتوقعة ومدى الضرر النفسي الذي يلحق بالمتضرر وأهله. وأما هذه التعويضات الهزيلة السخيفة، فلن تؤدي في النهاية إلا إلى امتناع المتضرر عن الشكوى، ومن ثم استمرار المهازل الطبية المتكررة دون رادع ولا حسيب ولا رقيب. يا أعضاء اللجنة الطبية الشرعية: اتقوا الله في أحكامكم، وضعوا أنفسكم في موقع المتضررين، ولا تنسوا أن حجب السماء مكشوفة أمام كل مظلوم ومقهور. تذكروا أن التاريخ لن يشهد لكم يوماً بأنكم كنتم قوة رادعة للإهمال والتسيب والجشع.