منذ فجر التاريخ عرفت شعوب العالم الحضارات وكيف أن كل أمة قوية لابد أن تكون لها حضارة تعكس ماضيها وتستفيد الحضارات القادمة بعدها مما توقفت عنده ، ومما يميز حضارتنا الإسلامية بأنها الحضارة الأبرز التي استطاعت القيام بعد تكالب الأمم عليها لأكثر من مرة والتاريخ سجل ذلك بأحرف من ذهب ، وحالياً وعلى الرغم من التاريخ المشرق لحضارتنا الإسلامية إلا أن ورثة هذه الحضارة باتوا يعيشون في أزمة كبيرة ، أزمة تبلورت وظهرت للعيان مع قيام الثورة الصناعية والحضارية في أوروبا وأمريكا - وأزمتنا كمسلمين حالياً هي أزمة هوية - فالمسلمون حالياً انسلخوا تماماً من عباءة الحضارة الإسلامية العريقة التي منحنا إياها التاريخ وباتوا يلهثون وراء كل ما هو نافع وكل ما هو ضار في الحضارة الأوروبية ، لدرجة أن بعضهم بات يندب حظه الذي كتب عليه أن يكون عربياً أو مسلماً ولا شك أن على كل أمة لكي تنهض أن تتعلم من الحضارات التي تسبقها وهو حق مشروع استطاعت اليابان من خلاله أن تتحول من دولة مستهلكة إلى واحدة من أكبر رموز الصناعة في العالم ، ونحن مازلنا نقلد وبشكل أعمى كل ما جاءت به الحضارة الغربية وخصوصا في مساوئها ، فأصبحنا - كالغراب الذي لم يستطع تقليد الحمامة في مشيها ولم يستطع العودة إلى خطوته القديمة - وحاليا قدم النائب الأمريكي جوزيف ليبرمان مشروعاً يقضي بسحب الجنسية الأمريكية من كل شخص تثبت عليه تهمة الإرهاب - ولا أنكر هنا ما تنوي إليه الحكومة الأمريكية وهذا حقها المشروع - باعتبار أن الإرهاب هو آفة هذا الزمان ، وأنه لا يستحق أن يكون له وطن ، ولكن ما أخشاه هو أن تكون الحضارة التي تبعها المسلمون بشكل أعمى هي أول من ستقصف بهم ، فالأغلبية العظمى من الجرائم التي تدخل ضمن نطاق الإرهاب في المنظور الأمريكي تنسب للمسلمين أو للأمريكيين المسلمين ، وبإمكان أي شخص مراجعة أرشيف الجرائم المسجلة باسم الإرهاب ومراجعة من وجهت لهم أصابع الاتهام حتى يعلم ذلك ، وبالتالي فإن أي فعل إرهابي ستكون نتيجته إما سحب الجنسية من فاعلها الحقيقي ولا ضير في هذا وإما أن تسحب الجنسية من مسلم لم يكن الفاعل الحقيقي للجريمة ، وهنا ستحكم الحضارة الغربية على متبعيها بالإعدام المدني . ولكن كان من الأولى على المسلمين عوضاً عن الهجرة إلى أمريكا بحثاً عن حلم الجنسية ، وعوضاً عن محاولة الحصول على تأشيرة دخول لأمريكا من أجل أن يكتسب المولود على أراضيها حق المواطنة والجنسية ، كان على الأمريكيين العرب أن يبحثوا عن أسباب انسلاخ الأمة من هويتها وكيف يمكن إعادة امتنا العريقة إلى مجراها ، أو على الأقل نفتخر بانتمائنا الأصلي ، ولكن بما أنهم اختاروا الانتماء إلى (أرض الأحلام ) فليتحملوا القصفات العشوائية والجزافية من القانون الأمريكي الجديد بعد إقراره. والله من وراء القصد