وإنما أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض - لو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني عن الغمض . فكيف إذا هبت رياح الموت؟ إنا لله وإنا إليه راجعون. لقد فجعني نبأ وفاة الشاب المهذب إباء عبد المقصود خوجة بهذه الصورة المفاجئة وهو في ريعان شبابه وكامل صحته. ومع أن الموت حق للصغير والكبير والصحيح والعليل، إلا أننا بشر يأخذنا هول الصدمة التي تجيء دون مقدمات أو توقعات، ولهذا كنت بين مصدق ومكذب وأنا أجري بعض الاتصالات مع أصدقاء أسألهم ويسألونني ولكن أمر الله نافذ ولا راد لقضائه ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. لقد كان إباء موضع ثقة أبيه صديق الجميع والمثقف صاحب الاثنينية الذي أسند إلى قرة عينه جل أعماله الخاصة في مجموعته الاستثمارية وتفرغ لأعمال الاثنينية والعمل الاجتماعي العام ولراحته، وذلك بعد أن رباه وعلمه ودربه واطمأن إلى قدرته على القيام بالعبء الذي قضى الأب العصامي نحو نصف قرن لبناء صرح النجاح حتى أصبح يشار إليه بالبنان والإعجاب. عرفت الشاب إباء عن قرب منذ سنوات بحكم علاقة الصداقة الجميلة مع والده، عرفته في الاثنينية وفي مجلس والده وفي مقر عمله فكان مثالا للتهذيب وحسن الخلق والوعي وهذا ما يعظم مصيبة فقده على أبويه وعلى أقاربه وأصدقائه رحمه الله. غير أن مما يعزي الشيخ خوجة وزوجته أم إباء شعورهما أن المصاب لم يكن مصابهما وحدهما، فقد كان مصاب آلاف القلوب المحبة لهما الذين تدفقوا من كل مكان يعزون ويواسون، كما أن إيمانهما العميق بالقدر سيسبغ عليهما الكثير من الصبر والسلوان مثلما ربط على قلوب كثيرين قبلهما فقدوا فلذات أكبادهم وبعضهم فقد ابنه أو ابنته الوحيدة مثلما حدث لزميلنا العزيز الدكتور ناصر الجهني الذي فقد ابنه الوحيد منذ أسبوعين والعائلة تستعد لزواجه في الصيف القادم، ولكن الله ربط على قلوب الجميع ومكنهم من اجتياز كربة الكمد ولوعة الفراق وأمدهم بالعزم على استكمال رحلة الحياة. إن صديقنا الكبير الشيخ خوجة قادر بإذن الله على اجتياز المحنة بما وهبه الله من قوة وعزيمة وحكمة وصبر، وبما عرف عنه من نظرة شاملة واعية لأحوال الحياة والأحياء وتقلبات الدنيا ومفاجآت القدر، ولعله يجد العوض بإذن الله في بقية الأبناء والبنات الذين مازالوا يحيطونه بمحبتهم وطاعتهم وبرهم، وفي حديقة الحب الكبرى التي أنشأها وملأها أصدقاء ومحبين على مدار عمره الحافل بالخير والأثرة والمحبة. أحسن الله عزاء الشيخ وأسرته، وصدق أسير المحبسين: خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد. فالموت سبيل كل حي فإنا لله وإنا إليه راجعون.