قرأت من جملة القارئين للخبر الذي نُشر عن الصفع والضرب الذي تعرض له أحد حراس الأمن السعوديين العاملين في مستشفى الملك سعود في عنيزة. يقول السيد علي النجيبان إن المعتدي هو مدير عام الشؤون الصحية في منطقة القصيم، أي أن المعتدي صاحب منصب رفيع وموقر، ولا يُتوقع منه ذلك أبداً. وإلى أن تنجلي الصورة ويُطوى الملف، سأتناول موضوعا عاما ليس المقصود منه هذا أو ذاك، ولا يُشترط أنه يوحي بصحة رواية زيد أو أقوال عبيد. ولنستعرض أولاً شيئاً مما جاء في التواضع إذ يقول النبي عليه السلام: (إن العفو لا يزيد العبد إلا عزاً، فاعفوا يعزكم الله، وإن التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله، وإن الصدقة لا تزيد المال إلا نماء، فتصدقوا يزدكم الله). وقيل التواضع سلم الشرف. وقال أحد الحكماء: (ما تاه إلا وضيع، ولا فاخر إلا لقيط، وكل من تواضع لله رفعه الله). وهذا الأحنف بن قيس الرجل الحكيم الحليم يقول: (ما تكبّر أحد إلا من زلة يجدها في نفسه). وأجمعت العرب على أن جذيمة بن الأبرش كان من أكثر الناس كبراً حتى عُرف عنه أنه لا ينادم أحداً لتكبره قائلاً: (إنما ينادمني الفرقدان)، يعني الشمس والقمر. وكان رجل يُدعى ابن عوانة من أقبح الناس كبراً، رُوي أنه قال لغلامه اسقني ماء، فقال الغلام نعم، فقال: إنما يقول نعم من يقدر أن يقول لا.. اصفعوه فصُفع. ودعا ذات مرة فلاحاً فكلّمه، فلما فرغ دعا بماء فتمضمض به استقذاراً لمخاطبته. وعندما يتولى الرجل الرفيع المنصب لا يزداد إلا تواضعاً، فما تأتي الرفعة إلاّ من العزيز الحكيم. وأما الحقير فلا يزيده المنصب إلاّ حقارة تنبع من ممارسة ألوان من الاستكبار والاستعلاء وغمط الناس حقوقهم. إنه باختصار بطر الحق وقلة العقل وذهاب الحكمة. وهو شعور بالنقص يضرب في نفس المتكبر فيزيده بعداً عن الله وبغضاً من الناس. وصدق الشاعر: تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع ولا تك كالدخان يعلو بنفسه على صفحات الماء وهو وضيع