العُجب والغرور والخيلاء سمات ذميمة ركب موجتها إبليس لعنه الله وتبعه من تبعه من الناس كفرعون وقارون، والغرور على وجه عام هو نقص في تركيب الشخصية يرى صاحبه قدر نفسه فوق ما يراه الآخرون ويظن أن من لم يره كذلك ليس سوى حاسد له على نعمه العظيمة التي يتوهمها المغرور، والتاريخ حفظ لنا الكثير من قصص الغرور ونهايات أصحابها ولو أمعنا النظر لرأينا أشكالاً من الناس تدعو تصرفاتهم إلى الضحك وأحيانا إلى الرثاء. ولأن للشعراء نظرتهم الحكيمة إلى كثير مما حولهم فما هي فلسفتهم للغرور.. يقول ايليا أبو ماضي: لي صاحب دخل الغرور فؤاده إنّ الغرور أخيّ من أعدائي أسديته نصحي فزاد تماديا في غيّه وازداد فيه بلائي أمسى يسيء بي الظنون ولم تسؤ لولا الغرور ظنونه بولائي يا صاح إنّ الكبر خلق سيء هيهات يوجد في سوى الجهلاء والعجب داء لا ينال دواؤه حتى ينال الخلد في الدنياء فاخفض جناحك للأنام تفز بهم إنّ التواضع شيمة الحكماء لو أعجب القمر المنير بنفسه لرأيته يهوي إلى الغبراء ويقول شاعر آخر: وأقبح شيء أن يرى المرء نفسه رفيعاً وعند العالمين وضيعُ تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيعُ ولا تك كالدخان يعلو بنفسه على طبقات الجو وهو وضيعُ وهنا صورة بديعة للغرور وأهله يرسمها شاعر آخر: أيها الغرّ لا تغرّك دنيا ك بكون مصيره لفساد خفّ من غاص في الغرور كما في لجة الماء خف ثِقل الجماد ويرسم مبدع آخر بحروف من ذهب لوحة حكمة: إنّ الحياة قصيدة، أبياتها أعمارنا، والموت فيها القافية كم تعشق الدنيا وتنكر صدّها أنسيت أنّ الخلف طبع الغانية؟ وتودّ لو يبقى عليك نعيمها أجهلت أن عليك ردّ العارية؟ وخذ الغرور بما لديك فإنّما دنياك زائلة ونفسك فانية إنّ الألى وطئت نعالهم السّهى وطئت جباههمُ نعال الماشية والشاعر أحيانًا يصف الغرور عند صد من أحب وتكون ردة فعله كما قال متعب التركي: البسي لك ثوب غير اللي عليك من لبس ثوب الغرور اكبر غبي تحسبين الناس خاتم في يديك من متى والعاطفة توخذ سبي أما أبعاد التركي فقد رأت الغرور من زاويتها وقيّمت من قصدته بأبياتها بهذا الشكل: خذاك الزود واعماك الغرور وجابك النقصان تقول الحق.؟ ولا تنكره.؟ ولاّ تجي ضده.؟ على ما تشتهي روّح ركابك والعذر له شان مثل ما قيل كل يلبس ثيابه على قده عسى لي منك مسرى يقتفيه البعد و(النسيان) وهجرٍ ما تجي له فالضلوع النايحة (ردة) وماجد الشاوي حين تكلم عن الغرور كان مخالفًا لما عهدناه من تذمر الشعراء من الغرور، ربما رغبة في قتل الملل والبرود في شخصية من وجه إليه أبياته: عذبيني.. ترى لولا احتراق البخور ما شكى للجدايل لوعته وانتحر واجرحيني ولو مرة.. ببعض الغرور حركي دافع الغيرة بلين وحذر عشت برد العواطف والملل والفتور افهميني.. ترى التفسير موت الخبر بعض الشعراء يتمنى ممن يحب أن يكن طوع أمره من غير ذل كحالة رشيد الدهام: أحبك.. وانت تحكي عن خضوعك لي بكل غرور مثل من يبكي دموع المذلّة رافعٍ راسه أحد يصحى على صوتك ولا يصبّح صباح النور؟ أحد يغفى على صوتك ولا يحلا له انعاسه؟ أحد يقرا وصوفك لا ضحكت ويكتبك بسطور؟ أحد يشرب دموعك لا بكيت وينثرك كاسه؟