أفرد ملحق “الرسالة” من هذه الجريدة يوم 29/1/1430ه - 15/1/2010م مساحة منه لبحث استفادة الإرهابيين من استغلال الكوارث لجمع التبرعات. وقد تفضل كل من شارك بما لديه من معلومات في غاية الأهمية، وإن كان التباين في مضمونها واضحًا عن ما يمكن أن يستغل الإرهابيون كارثة جدة لجمع التبرعات المالية لصالحهم. ومن ذلك فإنني أميل إلى حد ما إلى ما قال به الدكتور محمد بادحدح من حيث استبعاد لهذا الأمر؛ لأن التبرعات كما قال تصب في حساب موحد، منه -الحساب- يتم الصرف للجهات المسؤولة. وهذا الإجراء قد يصعب جمع المال، لكنه قد يسهل إذا كان من بين جامعي المال متعاطف، أو غير مرصود، فإن ذلك في غاية السهولة.. وهذا في تصوري ما جعل خالد المشوح يتبنى عدم استبعاد أن يستغل تنظيم القاعدة الأزمات الداخلية لجمع التبرعات. لكن الدكتور خالد الدريس المشرف على كرسي الأمير نايف للأمن الفكري بجامعة الملك سعود، له رأي مغاير يكاد أن يكون بحثيًّا وهو يقول: المتتبع لتاريخ أفكار جماعات العنف الديني المعاصرة القائمة على استغلال شعار الجهاد الإسلامي، يعلم يقينًا أنهم يفصلون عمليًّا بين أخلاقيات الجهاد بوصفه شعيرة إسلامية سامية لدفع الظلم وإقرار العدل، وبين ممارستهم “المكيافيلية” للعنف. وهو بما قال يريد أن يقر بأن الإرهابيين قد يستغلون الأزمات عندما يستخدمون المقاربة في استغلال ما يمكن أن يستغل خاصة وهو يؤكد: تحدثنا الوقائع المعاصرة هنا في بلادنا أن تنظيم القاعدة حاول جمع التبرعات في موسم الحج، كما جاء في بيانات وزارة الداخلية من خلال تزوير كوبونات الأضاحي، ثم بيعها خلال شهر ذي الحجة. لذلك لا يستغرب أن يتكرر مثل هذا الفعل.. ولا أستبعد أن يلجأوا إلى جمع التبرعات من عموم الناس تحت دعاوى خادعة ومزيفة.. هكذا يقول. وإذا ما كان لي من قول بعد كل ما قيل في هذا الجانب فإنني استبعد أن نجد بين مَن يجمع التبرعات في أزمة جدة بالتحديد مَن ينتمي للقاعدة، بعد أن أوجدت إمارة منطقة مكةالمكرمة وعاء تجمع فيه التبرعات لصالح المتضررين من سيول جدة، وهذه خطوة تُحمد لها في تنظيم التبرعات من أجل أن لا يُستغل ضعاف النفوس من القاعدة أو غيرها. كون تصعيب الجريمة وسيلة من وسائل الحد من الإجرام، وخاصة عندما تختار الطريقة وآليات التنفيذ لأشخاص مخوّلين بجمع التبرعات، وهذا ما كان من الإمارة في أسلوبها الذي كان له دور فاعل. لكن دعونا نتحرز من المتعاطفين الذين قد يكونون بيننا ولديهم أجندة خاصة في الاستمالة تتعدد بتعدد الطرق المتبعة التي توصلها إلى بغيتها، إذا أخذنا في الحسبان ذلك الأسلوب الذي كشف عند جمع المال عن طريقة الأضحية، وعند العودة إلى أكثر من ست سنوات مضت نجد ما يمكن أن يجعل منا أكثر توجسًا خاصة ذلك الموضوع المنشور في جريدة الشرق الأوسط عدد (9061) فيما قال: (قدرت مصادر عليمة قيمة حجم الأعمال الإرهابية وميزانية النشاط الإرهابي في السعودية، من حيث مضبوطات الأسلحة والمتفجرات والتحركات وخطط العمليات والدعم الأرضي لأعمالها، بأكثر من 500 مليون دولار. وممّا في ذلك الموضوع: شكّك العديد من الدوائر السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في أن تكون موارد خلايا الإرهاب والتطرّف من جرّاء عمليات التبرعات أو الدعم المالي الخيري، وكذلك من أثمان المخدرات المهربة أي أن عملية التمويل الرئيسية ليست محصورة في التبرعات، بل إن الإرهابيين يستخدمون كل وسائل جمع المال والاتصال المحلية لدعم نشاطاتهم تحت وفوق الأرض..). ولعل ما يشير إلى أن تمويل الارهاب يتجاوز التبرعات يكون عامل تنبيه يأخذنا بنور البصيرة إلى أن نتنبه لما يمكن أن يكون في ظاهره فعل خير، في حين أنه دعم للإرهاب، فليس كل محفل أو احتفال يقوم على التبرعات لصالح المحتاجين ما ينفي الشك أنه وسيلة دعم لفكر ضال، خاصة إذا اقتصر في عدده على مجموعة من الأشخاص لا يمكن لأحد اختراق تجمّعهم. فقد يستخدمون وسيلة بناء المساجد، ورعاية الأيتام والأرامل وسيلة مشروعية لجمع المال لأن مَن يقوم على تنظيم الإرهاب، يدرك أن الأساس لتنفيذ جرائمه لن تتم ما لم يكن لديه مال، إذ بدونه لن يستطيع أن يستقطب ويدرب ويستميل ويؤمن المواد المستخدمة للعمليات الإرهابية. ولعلّنا نذكر تلك المساهمات الوهمية للاستثمار في الأسهم من أجل تمويل الإرهاب. ما أود ان أضيف الى ما سبق ان التنظيم الإرهابي لا يتورع عن استخدام أي وسيلة تمكنه من جمع المال، ولن يفرق بين ما هو مشروع وغيره؛ لأن المال هو الموصل إلى التدمير وهو الموجه لتفخيخ العقول، وعلى هذا الأساس فمن الواجب علينا ان نكون أكثر احترازًا، وخاصة من الأشخاص الذين يرتدون عباءة الزهاد والوعاظ، فقد يكون من بينهم شخص او أشخاص ارتضوا لأنفسهم الهلاك في الدنيا والآخرة.. ومن الحذر إبلاغ الجهات الأمنية عن مَن يسخر نفسه لجمع المال بأي حجة كانت. • رئيس مركز أسياد للدراسات والاستشارات الإعلامية.