ما جاء على لسان الشيخ عبد المحسن بن باز " احد العاملين في الحقل الخيري" عن استغلال بعض الأفراد كارثة سيول جدة لجمع تبرعات وصلت إلى عناصر إرهابية, يستدعي التوقف طويلاً, من عدة نواحٍ مهمة أولها يتعلق باستغلال الأزمات من قبل عناصر غير مسؤولة, ثانياً. أن خطر هذه الفئة الضالة ما زال قائما ولديه من يغذيه. ثالثاً: الحذر من الأشخاص الذين يندسون لإفساد الأعمال الإنسانية في الكوارث وإذا كانت كارثة سيول جدة أبرزت التلاحم الرسمي والشعبي في إنقاذ المتضررين, ودور مؤسسات المجتمع المدني ووزارة الشؤون الاجتماعية وجميع الجهات المختصة في تشكيل لجان للإغاثة والإنقاذ, والمساعدة والصيانة وتقديم العون للمتضررين, وبروز دور الشباب السعودي في العمل التطوعي, وضبط جمع أي تبرعات في حساب موحد لجهة رسمية محددة, فهل هناك من يحاول أن "يندس" لتشويه الملحمة الجميلة والتلاحم الشعبي ويستغل الكارثة في أعمال غير مشروعه؟. ونسبة لما يتصف به فكر الجماعات الإرهابية والفئة الضالة من خروج على ولاة الأمر, وتكفير للمجتمع, واستحلال للدماء والأموال لتمويل الأنشطة الإجرامية, لا يستغرب على هذه الفئة الضالة الإقدام على أي خطوة, أو الاندساس في أي تجمع. ولكن ماذا يقول الخبراء المتخصصون في فكر الجماعات الإرهابية؟ وهل استغلال هذه الجماعات للكوارث أمر طبيعي ويتواءم مع طبيعتهم؟ خاصة في ظل الحصار المضروب عليهم من كل جانب والحصار الأمني الذي ضيق الخناق عليهم والوعي الشعبي بمخططاتهم؟ وماذا يقول العاملون في الحقل التطوعي وممن شاركوا بفعالية في إغاثة متضرري السيول تحت مظلة الجهات المختصة؟ أمر مستبعد في البداية أكد الدكتور محمد بن عمر بادحدح الأمين العام المساعد للندوة العالمية للشباب الإسلامي والمشرف على مكتب الندوة في منطقة مكةالمكرمة والذي شارك بجهود كبيرة في العمل الإغاثي للمتضررين من كارثة السيول أن استغلال كارثة جدة من قبل جماعات مشبوهة أمر مستبعد تماماً, لعدة أسباب منها أنه ممنوع جمع التبرعات بواسطة أي شخص أو جهة, والتبرعات كانت تصب في حساب موحد أعلنت عنه الإمارة, ولا يمكن الصرف منه إلا للجهات المسؤولة, كما إن أي تحرك لجمع التبرعات كان سيتم رصده والإبلاغ عنه للجهات المختصة. وكذلك للوعي المجتمعي والتلاحم الشعبي تجاه الكارثة, والتسابق في تقديم العون والمساعدة. وقال بادحدح: ضعاف النفوس موجودون, وهناك من استغل الكارثة, ووجدنا بلاغات من مواطنين أن محلاتهم سرقت منها بضاعة, وبقالات نهبت من قبل لصوص, استغلوا عدم وجود أصحابها بسبب شدة السيول والأمطار, ومن ثم فضعاف النفوس ومرضى القلوب موجودون في أي مكان وزمان ويحاولون استغلال أي شيء للسرقة والسطو. رقابة مشددة ويواصل بادحدح قائلاً: أما عن جمع التبرعات لإغاثة متضرري السيول والخوف من استغلاله بواسطة جهات مشبوهة فهذا أمر صعب جداً ولا يمكن لأن التبرعات كلها كانت تصب في الحساب الموحد الذي أعلنت عنه إمارة منطقة مكةالمكرمة, وكان هناك إحكام شديد من قبل الجهات المسؤولة لهذا الأمر, ولا توجد أي حسابات شخصية لجمع التبرعات حتى في الجمعيات الخيرية, حيث لا يسمح بها, ولا جمع لتبرعات نقدية, ولم يسمح لأي جهة بأن تجمع تبرعات في حساباتها, وهو أمر محسوم من قبل الإمارة والجهات المختصة. أما عن كيفية الرقابة على التبرعات العينية من مستودعات أغذية ومعلبات وأدوية ومواد أساسية قال بادحدح: هناك جهات إشرافية مسؤولة على هذه المستودعات, ولا يسمح بدخول المستودع إلا لمن يحمل صفة رسمية, ولا يسمح بخروج أي مواد اغاثية إلا بواسطة المختصين المنوط بهم ذلك, وتوثيق المواد التي تخرج من المستودعات ومعرفة الجهة التي ستوزع فيها والمسؤول عن عملية التوزيع. وأضاف بادحدح: جميع الجهات الخيرية التي تعمل في مجال المساعدات للمتضررين كانت تحت مظلة رسمية, وفق عمل اللجنة التي شكلت لهذا الأمر, وقد شارك أكثر من خمسة آلاف شاب في العمل وانخرطوا في الصيانة والنظافة وحصر المنازل المتضررة والإسناد والخدمات الخلفية, فكان ما بين خمسمائة إلى ألف شخص يعملون على مدار الساعة في استقبال المساعدات العينية وتصنيفها في المستودعات, وإعداد السلال الغذائية وتحميلها وتوزيعها على المتضررين. وقال بادحدح: كارثة سيول جدة حدثت ومعظم الأجهزة مشغولة في الحج الذي يستنفر طاقات كثيرة, لذلك سارعت مؤسسات المجتمع المدني للقيام بدورها في الإغاثة ولكن لم يكن هناك أي تحرك إلا تحت المظلة الرسمية, فتم إخطار الإمارة والأمانة وتحركت الشؤون الاجتماعية, وبدأنا في تشكيل اللجنة التنسيقية التي ضمت الجمعيات الخيرية والشؤون الاجتماعية والإمارة والأمانة والدفاع المدني, وتحت إشراف محافظ جدة, وتم تطوير العمل وشكلت لجان متخصصة للإغاثة والدعم والمساعدة, وعقدت اجتماعات يومية لمعرفة الجهود المبذولة ووضع الخطط وتنفيذها. استغلال الأزمات من جانبه لم يستبعد الخبير في تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية خالد بن عبد الله المشوح أن يحاول تنظيم القاعدة أو الجماعات المرتبطة به استغلال الأزمات الداخلية في جمع التبرعات, واستدرك بالقول: ليست لدي معلومات عن استغلال عناصر كارثة جدة في جمع التبرعات لجهات مشبوهة، ومعلوم أن التنظيم يعاني من أزمة مالية كبيرة منذ فترة ليست بالقصيرة, ويحاول أن يخرج من الأزمة بالحصول على تمويل, ووجدنا النداء الذي أطلقه أيمن الظواهري بهذا الخصوص, وكذلك نداء القاعدة باليمن للحصول على تمويل مالي خصوصاً من الخليج. وأضاف المشوح قائلاً: من ثم لا غرابة إن لجأ التنظيم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى جمع التبرعات بعد أن أغلقت في وجهه مصادر التمويل، خاصة في السعودية والخليج, وتيقظ كل فئات المجتمع من وسائل هذه الجماعات في استغلاله. وأضاف المشوح قائلا: هناك سوابق لاستغلال هذه العناصر للازمات والكوارث في جمع التبرعات للتنظيم, مثلما حدث في أزمة أفغانستان ومشكلة العراق والصومال, وكان التنظيم يستغل المواسم مثل رمضان والحج في جمع الأموال, ولذلك لا يستبعد استغلال الكوارث الطبيعية في جمع التبرعات، فالتنظيمات السرية لها القدرة على التمويل والحصول على الأموال, وتعمل ضمن منظومة شبكات عنقودية, وتستغل طيبة أو سذاجة البعض الآخر وعدم درايتهم بحقيقة الأمر. لذلك فإن عملية الضبط وإحكام جمع التبرعات تمنع هذه العناصر من النفاذ إلى المجتمع, واستغلاله وجمع التبرعات لتمويل أنشطة القتل والتدمير. تحصين المجتمع وبدوره يقول الدكتور خالد الشايع الأمين العام المساعد للمركز العالمي للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم ونصرته, والخبير في العمل التطوعي: لا بد أن يكون لدينا تصور شامل عن إدارة الأزمات, وهذا هو المهم حتى نستطيع التعامل مع أي عارض أو من يحاولون العبث بمنظومة العمل الإنساني, ووجود تصور لإدارة الأزمات أياً كانت، فالحياة لا يمكن أن تسير على وتيرة واحدة, ولابد من المفاجآت والأحداث غير المحسوبة, وبهذا يتعين أخذ الحيطة وفق التوقعات الغالبة, وأن تكون لدينا الخطط المعدة مسبقا للتعامل مع الأزمة حسب نوعها. وأضاف الشايع قائلا: ينبغي في هذا المجال أن تتضافر الجهود, وأن تتقاسم المسؤوليات بحسب الاختصاص لتتولى كل جهة مسؤولياتها من واقع تخصصها وخبرتها؛ يقول المولى عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم", فالدفاع المدني في الكارثة له مسؤوليته، ولا أحد يقوم بدوره غيره, والهلال الأحمر له دوره المنوط به, وكذلك الأمانة لها دورها, والجمعيات الخيرية لها دورها المحدد, أما جمع التبرعات فلابد أن يكون محكوماً بنظام يحدد الجهة المنوطة بجمع التبرعات, وأن تحصر في الجهات المسموح لها والمرخص لها رسمياً, ولا يجوز التبرع لأي شخص بصفة رسمية. وختم الشايع بالتشديد على أهمية تثقيف المجتمع, وتحصينه حتى لا يكون ضحية استغلال من قبل من يستغل المآسي لتسويق ما يريد. مستشار قانوني: المظلة الرسمية لجمع التبرعات هي الأساس أكد المستشار القانوني حمود الناجم على ضرورة الالتزام بالطرق النظامية في القيام بالعمل الاغاثي في النكبات والكوارث, وأن تكون المظلة الرسمية هي الأساس في التحرك, ومن ثم لا يجوز التبرع لأي شخص مجهول مهما كانت الدوافع والظروف, حتى لا ننساق أمام العواطف أو ننخدع بالمظاهر, وقال الناجم: المظلة الرسمية في جمع التبرعات للمتضررين في كارثة سيول جدة هي إمارة المنطقة التي أعلنت عن حساب موحد للتبرعات تصب فيه, وبذلك قطعت الطريق أمام ضعاف النفوس ومن يحاولون استغلال الأزمات في لتحقيق أمور غير مشروعة. وأكد المستشار حمود الناجم على توعية وتثقيف المجتمع في هذه الأزمات حتى لا تستغل طيبة الناس ومشاعرهم تجاه المتضررين, مشيراً إلى أهمية الوعي القانوني بالأنظمة وما تنص عليه, لأن ذلك هو الذي يعرف بالجهات المسؤولة ويمنع أي انحراف. الدريس: لا أستبعد أن يحاول التنظيم الضال استغلال الكوارث ويقول الدكتور خالد الدريس المشرف على كرسي الأمير نايف للأمن الفكري بجامعة الملك سعود: المتتبع لتاريخ أفكار جماعات العنف الديني المعاصرة القائمة على استغلال شعار الجهاد الإسلامي، يعلم يقيناً أنهم يفصلون عملياً بين أخلاقيات الجهاد بوصفه شعيرة إسلامية سامية لدفع الظلم وإقرار العدل، وبين ممارستهم "المكيافيلية" للعنف. وهذا الفصل الحاد في وعي تلك الجماعات بين الأخلاقيات الإسلامية السامية وبين القتال كفعل قادهم إلى استباحة كثير من المحرمات الأخلاقية، فأصبحت رذائل كالكذب والتزوير والغش والخديعة والغدر وخيانة الأمانة ونقض العهود والمواثيق من لوازم العمل الجهادي في فكرهم المنحرف الضال. ومضى الدريس قائلاً: تحدثنا الوقائع المعاصرة أن جماعات على نسق أولئك في بلد عربي مسلم شقيق قبل عدة سنوات استباحوا سرقة محلات الذهب التي يملكها تجار نصارى من أهل تلك البلاد، وقد فعلوا ذلك بناء على فتوى من مراجعهم العلمية التي سوغت لهم هذه المحرمات، بدعوى حاجة الجهاد إلى الدعم المادي. وتحدثنا الوقائع المعاصرة هنا في بلادنا أن تنظيم القاعدة حاول جمع التبرعات في موسم الحج، كما جاء في بيانات وزارة الداخلية عن خلية "ينبع" التي ذكر في البيان أنها قامت بجمع الأموال من خلال تزوير كوبونات الأضاحي ثم بيعها خلال شهر ذي الحجة. لذلك لا يستغرب أن يتكرر مثل هذا الفعل المشين بأساليب مختلفة من أولئك المشوهين أخلاقياً وهم الآن يمارسون الاستجداء العلني بكل وقاحة في رسائل الوسائط التي يرسلونها أو في الأفلام التي ينتجونها للدعوة إلى باطلهم، وبلا شك فقد ضيقت عليهم مصادر التمويل والإمداد المادي، ولذلك لا أستبعد أن يلجأوا إلى جمع التبرعات من عموم الناس تحت دعاوى خادعة ومزيفة . وختم الدريس قائلاً: بكل أمانة أقول إن لدى هذا التنظيم الضال انحدار أخلاقي رهيب لا يمكن أن يقبله أي دين، وإلا فكيف يوفق صاحب التدين الحقيقي بين تعاليم دينه وبين الكذب والخيانة والغش؟ وهنا نقول لكل شباب الوطن وأبنائه: معيار كشف صدق أي شخص يدعي التدين أن تعرض أقواله على ثوابت الأخلاق الفطرية. الدين كله خلق هذه مسلمة ثابتة قطعية لا تقبل الجدل ولا القسمة أو المفاوضة .