كثير من الذين أمضوا سنوات عديدة في مجال التربية والتعليم ، حينما كان المعلم هو الأب الروحي للطالب وهو المعلم وهو القدوة وهو المربي بيده سلطة تأديب الطالب كلما جنح عن السبيل . بل وحتى بعض طلاب تلك الفترة نجدهم على حد سواء يتحسرون على تلك الحقبة ويتألمون مما وصل به الحال الآن من الواقع المعاش ، من تدهور كبير وخطير في علاقة الطالب بالمعلم ، وضياع هيبته في نفوس الطلاب حتى بات بعضهم يتودد لبعض الطلاب اتقاءً لما قد يرتكبه من أفعال أو أقوال جانحة وجارحة.أو مكيدة قد تطيح بالمعلم وتنال من قدره ومكانته وتذهب بما تبقى من هيبته واحترامه. وفي هذا الصدد كتب الأستاذ إبراهيم معتوق عساس يوم السبت 29- 2-1431ه في هذه الصحيفة الغراء مقالة بعنوان : \" من يحميهم من البطش الطلابي ؟\" وصف فيها حال المعلمين والمعلمات وما حدث من اعتداءات على بعضهم . وقال : \" مهما كانت المبررات للفعل الذي لا يليق مع من يحملون أقدس رسالة على وجه الأرض فإن ما حصل لا يمكن تبريره أو القناعة به فلا يمكن محاربة المعلمين والمعلمات أو تهديدهم من قبل بعض الطلبة أو الطالبات. \" وختم مقالته بمطالبته للوزارة بتكوين لجنة لدراسة حقيقة التعليم ووضع ضوابط تعيد للمدارس هيبتها وتجعل الكل يقف للمعلم والمعلمة ويوفوهم التبجيل ، وأكد أن هذا لا يتحقق إلا بوضع حد للتصرفات الشاذة من بعض الطلاب والطالبات على حد سواء\". ولاشك إن هذا الانحدار الخطير والتدهور الكبير والسريع في تردي العلاقة بين الطالب والمعلم ، وتنامي حدة التصادم والاحتكاك وقلة الاحترام والتقدير من قبل الطلاب والطالبات تجاه معلميهم ومعلماتهم ، والأفعال الشاذة التي يقومون بها والتعدي عليهم هي ظاهرة أصبحت ملموسة وواضحة للعيان ، بل أصبح بعض الطلاب يتفاخرون بالوقوف في مواجهة معلميهم وقدرتهم على النيل منهم بالقول أو الفعل فلم تعد مجرد حالات نادرة وشاذة ، وهذه الظاهرة نتيجة أسباب ومسببات ودوافع ومقاصد ، معلومة لا تخفى عن العيان ، ولكن للأسف لم يتنبه لها أصحاب القرار وتغافلوا عنها عمداً أو جهلاً ، ولم يبحثوا هذه الظاهرة كما ينبغي في منشئها وأسبابها لأن من يضع تلك الضوابط والتعليمات ليس ممن عاش الحالة أو مارسها بل أخذها من بيئات أخرى مختلفة عن بيئتنا ومن خلال كتب وآراء شخصية بحتة. لقد حذّر بعض العارفين ببواطن الأمور الذين عايشوا الكثير من الأحداث في هذا الصدد سواء ممن هم في ميدان التعليم أو بعض أولياء الأمور - حذروا - من عواقب ومآل الحال إن استمر هكذا دون تدخل رسمي من الوزارة يتم بموجبه تحديد الأطر العريضة ووضع الضوابط لضمان رفع مستوى درجة العلاقة بين طرفي العملية التربوية - المعلمين والمعلمات والطلاب والطالبات - ووضع معايير دقيقة يتم تفعيلها والعمل بموجبها يحاسب كل من يحيد عنها من الطرفين. إن دعوى التربية الحديثة التي تحذر من استعمال التأديب البدني في حق الطالب المخالف والمهمل والمقصر أو الطالبة أدى إلى هذا لانحراف من السلوك والتوجه الخطير ، ذلك إن من أهم عوامل جدية التحصيل وارتفاع مستوى مخرجات التعليم أن يتوفر للمعلم والمعلمة الهيبة والتقدير والتبجيل ، والاقتداء به في أفعاله وأقواله وتصرفاته الحميدة ، ووجود رهبة المكانة والمنزلة العالية له خاصة وللعلم عامة في نفوس الطلاب فإن لم تتوفر هذه الأمور كان المعلم والمعلمة في نظر الطلاب والطالبات مجرد آلة تسجيل يتم تلقي الدرس عنها وحسب والعلم مجرد كتاب يتم إلقاؤه في الزبالة في آخر العام .لقد توجهنا للأخذ بنظريات ومبادئ حديثة لا تتفق مع واقعنا ، لأنها لا تقيم للمبادئ الأخلاقية وزناً ، وتناسينا سنة نبينا محمد وصحابته والسلف الصالح حينما كان للمعلم هيبته ومكانته وسلطانه الذي يستمد منه تربية وتأديب طلابه . وطالما تغافلنا عن ذلك فلا نتوقع أن تكون الثمار شهية ويانعة فكما تزرع تحصد . ربما تم منع الضرب في المدارس بسبب بعض المعلمين أو المعلمات الذين أوغلوا في التأديب البدني وخرجوا به عن مقتضاه وحدوده، ولكن هذا لا يبرر منعه بالكلية بل يمكن تقنينه وتحديد سلطة التأديب بالضرب في يد مدير أو مديرة المدرسة. إن مجرد توفر الإحساس لدى الطلاب والطالبات بوجود عقاب بدني إذا جنح أو حاد عن الطريق فإن ذلك يقلل من الأفعال المذمومة وغير السوية . فهل يعاد النظر في تقنين العقاب البدني لحماية المعلمين ولتعود لهم هيبتهم ومكانتهم فالضرب من الوسائل التأديبية في الشريعة الإسلامية إذا لم تنفع وسيلة النصح والإرشاد.اللهم أجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.