مسكينة (طفلة بريدة) يختصم الكبار ويصطلحون على حساب براءتها وطفولتها، ويترجمون خصومتهم أو صلحهم على لسانها، وهي فعلا لاتدري ، إذ لايصح بأي منطق أن يعرض عليها أمر الزواج في هذه السن أصلا ناهيك عن أن يؤخذ رأيها فيه، لقد ضحكت وشر البلية ما يضحك وأنا أقرأ عن إعلان الطفلة لموافقتها على زوجها الثمانيني برا بوالدها، وهذا البر كما هو واضح من السياق كان رسالة أمها إلى أبيها بعد أن وضع الصلح أوزار الحرب بين الطليقين، أما مستقبل الطفلة وما ينتج عنه فقد ذهب أدراج الرياح ولا حول ولاقوة إلا بالله. لقد قلت هنا يوم الأحد قبل الماضي في مقال بعنوان (زواج الجهل والكيد: بعيدا عن حديقة الأطفال) ما يلي: (لقد قال المأذون الذي أبرم العقد إنه لايوجد لديه نص يمنع تزويج مثل هذه الطفلة، وإن العقد تم تصديقه من المحكمة، وإنه سأل الطفلة فوافقت، أما زوجها – عمره بين 65 و80 سنة – الذي يكبرها بأكثر من خمسين عاما فهو متزوج كما قال من ثلاث صغيرات قبلها، ولديهن أطفال، وإن والدها هو من عرض عليه الزواج منها، ولم يجد في ذلك غضاضة، وكل هذه المعطيات تشير إلى الضرورة الحتمية لوجود نظام يمنع المأذونين والمحاكم من إبرام عقود الزواج لمن هن دون 18 سنة، فنظام كهذا سيجعل من يمارس هذا جهلا يتعلم، ومن يفعله طمعا في مال يبحث عن وسيلة أخرى للاستثمار، ومن يمارسه كيدا وانتقاما من نصفه الآخر يمارس مكايده بعيدا عن حديقة الأطفال). واليوم أضيف أن (الرق ) ليس محرما في الإسلام لكن ولي الأمر عندما رأى ضررا من استمراره وضرورة لإيقافه اتخذ الملك فيصل – رحمه الله – قراره التاريخي في ذلك، ولم يدعه معلقا في دهاليز الفتوى التي هي آراء فقهاء تخطىء وتصيب وتختلف وتتفق. ولعل زواج القاصرات الذي يعد انتهاكا صارخا لإنسانية هؤلاء الطفلات، تحت مظلة العادات الجائرة الجاهلة، أو بعض الفتاوى القاصرة، أو تصفية حسابات خلافات الطلاق ونحوه، يتطلب قرارا ملكيا حازما من ولي الأمر وملك الإنسانية عبدالله بن عبدالعزيز، وقد أسعدني تصريح للأميرة عادلة بنت عبدالله رئيسة برنامج الأمان الأسري الوطني (لصحيفة الرياض) يوم الثلاثاء الماضي ألمحت فيه إلى أن هناك إجراءات ستتخذ قريبا من الجهات المعنية للحد من هذه الحالات. الأميرة وصفتها بأنها فردية ولم تصل لحد الظاهرة، لكنها أكدت أنها انتهاك لحق الطفولة، وأعتقد أن انتهاك حق طفلة واحدة يكفي لاتخاذ ما يحول دون استمرار الانتهاك لغيرها، فمن الواضح أن مثل هذه الانتهاكات تؤسس لظواهر أو على الأصح كوارث اجتماعية أخرى أفظع وأشنع، ولكم أن تتصوروا فقط حال أرملة في ربيع عمرها لديها بضعة أطفال، ماذا تفعل وماذا يفعل أطفالها، وأي بيئة اجتماعية يصنعون إذا تعددت الحالات المماثلة؟ وهذا وجه واحد فقط من وجوه مأساة زواج القاصرات، ولعل الوجوه الأخرى أشد قتامة وألما.