ما إن تقف بجانب صراف (المعاش) نهاية كل شهر حتى تفاجأ بلافتات تشعرك بالبهجة المستعارة على رأي شاعرنا الأكبر (أمل دنقل)، وتحيل واقعك المثقل بديون وأقساط إلى أحلام هلامية أولها الفرحة وأوسطها النشوة وآخرها العذاب، عذابات تزيد ليلك أرقا ونهارك قلقا. فحوى هذه الإعلانات المنتشرة دون حسيب أو رقيب: أن صاحب هذا العرض باستطاعته أن يسدد قرضك لدى بنك معين، وذلك بتوفير هذا المبلغ لك نقدا بعملية بيع وشراء سيارات أو أي سلعة أخرى .. وبعدها تستطيع أخذ قرض آخر من قبل البنك لتقع بين كماشتين، تقسيط لصاحب هذه السيارات وتقسيط آخر للبنك الذي عاودت الاقتراض منه وبفوائد مضاعفة! ومن هنا وفي غفلة الرقيب .. يفتح باب آخر لملء البطون الجشعة والأفواه الفاغرة، ومص دماء المواطنين المعدمين أصلا والمتأزمين ماليا، وإدخالهم في دوامة الديون المزدوجة والفوائد المركبة والمثقلة لكاهل كل إنسان يرغب في تحسين وضعه الاقتصادي أو التخلص من ديونه المتكدسة للبنوك التجارية وشركات التقسيط المختلفة كل هذا دون ضمانات أو ترخيص رسمي! وحسب ماذكرت الصحف فقد (خاطبت وزارة الداخلية مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» حول إعلانات تسديد القروض واستخراج قروض جديدة بالقرب من مواقع صرافات البنوك المحلية حيث أكدت الوزارة أن المادة الثانية من نظام مراقبة البنوك الصادر بالمرسوم الملكي رقم (5) وتاريخ 22/2/1386ه نص على حظر ممارسة الأعمال المصرفية بدون ترخيص). ولكن السؤال هنا هل تكتفي وزارة الداخلية بهذه المخاطبة لمؤسسة النقد؟! أم يفترض أن تتحرك جهاته الخاصة المتمثلة في فرق البحث المتخصصة للقبض على مثل هؤلاء المستفيدين والمتجاوزين للأنظمة المعمول بها في كافة أنحاء العالم وأخذ التعهد عليهم بعدم مزاولة هذه النشاطات المالية؟! أم ننتظر ضحايا جددا وأزمات نفسية متعاقبة وانتكاسات اقتصادية مدمرة للعباد والبلاد، كما حدث لضحايا سوا والأسهم والمساهمات العقارية الأخرى؟! ولماذا لاتخصص الدولة ممثلة في وزارة المالية صندوقا للزواج أو شراء المساكن أو إنشاء المشاريع لإقراض المواطنين، بدون فوائد وبشروط ميسرة وتنفيذ سريع دون قيود أو تعقيدات إدارية على أن يستقطع من راتب المستفيد الشهري بشكل لايخل بميزانيته البسيطة؟! هي اقتراحات مشروعة لغلق هذه الأبواب المتخصصة في استغلال حاجات الناس للمال والعيش الكريم، ولسد حاجة المواطن الذي هو أساس هذه التنمية الوطنية والبشرية .. ويكفي!