صدق مَنْ وصف الجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة بأنها الجامعة التي لا تغيب عنها الشمس؛ لأنها منذ أُنشئت برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - جامعة المسلمين في كل مكان، وإنما تمَّ إنشاؤها لهذا الهدف الكبير؛ لقد فتحت أبوابها منذ أوَّل يومٍ في حياتها العلمية لآلاف الطلاب من أقطار الدنيا، يأتون إلى الجامعة الإسلامية في عاصمة الدولة الإسلامية الأولى (المدينةالمنورة)؛ ليتلقوا العلوم الشرعية والعربية، ثم يعودوا إلى بلادهم معلمين ومرشدين وموظفين كباراً، يتسنَّمون في بلادهم أعلى المناصب، ويقومون بأعمال جليلة في مجال العلم والمعرفة والدعوة والإرشاد، وتحفيظ القرآن الكريم، وتخريج أعداد كبيرة من المعلمين والموظفين في بلادهم. إنها جامعة إسلامية عريقة (لا تغيب الشمس عنها)، وكيف تغيب شمسها وطلابها من كل مكان في العالم، من أوروبا وأمريكا، وإفريقيا وأستراليا والصين، واليابان، وروسيا، والهند والباكستان وجنوب شرق آسيا وتركيا وغيرها. كنت مع عشرات من ضيوف هذه الجامعة المباركة في رحابها الطيبة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث حضرنا المؤتمر الثالث للأوقاف الذي استضافته الجامعة الإسلامية في الفترة الزمنية الواقعة بين السابع عشر والعشرين من شهر محرَّم لهذا العام الجديد 1431ه. لقد لمسنا من الجهود المباركة للجامعة الإسلامية في هذه الفترة، بقيادة معالي مديرها الأستاذ الدكتور محمد العقلا، ما ذكَّرنا بدورها الرِّيادي الذي جعلها مَعْلماً في بدايات افتتاحها، وما أكد لنا أهمية الإدارة الجادة المثابرة (المخلصة) في تطوير العمل والرُّقيِّ بمستوى الأداء فيه. حينما تزور الجامعة الإسلامية تشعر أنك تزور بلدان العالم كلَّها؛ لأنك تلتقي بطلابٍ مختلفي اللغات والجنسيات، والألوان والأوطان، يستظلون جميعاً بظلِّ هذا الصرح الإسلامي الكبير، وينهلون من العلوم المتعدِّدة، ويعودون إلى بلادهم مشاعل من نور. كان مؤتمر الأوقاف الثالث حافلاً بعشرات البحوث التي تقدَّم بها علماء من أنحاء العالم الإسلامي، في مجالات الوقف الإسلامي المتعدد تاريخياً وحضارياً وعصرياً، مركزةً على موضوع المؤتمر المعلن وهو (دور الوقف في مجالات الاستثمار والتجارة والاقتصاد والإدارة)، وقد عقد هذا المؤتمر برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز (ولي العهد)، وافتتحه نيابة عنه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد أمير منطقة المدينة المنوَّرة. لقد تحوَّلت رحاب الجامعة الإسلامية إلى مهرجان علمي كبير، تواصلت فيه الجهود معظم ساعات النهار، وعدداً من ساعات المساء، تنظيماً ومتابعة، وإلقاء لمختصرات البحوث ومناقشة، ثم كانت التوصيات التي أوصى بها المؤتمر خاتمة المطاف. كنت جالساً في إحدى فترات (الاستراحة) بين فقرات المؤتمر مع عددٍ من الطلاب من إفريقيا والصين وروسيا وتركيا نتحدَّث في شؤون الأدب والشعر، فلفت نظري إتقانهم للغة القرآن الكريم، وحفظهم لكثير من الشعر العربي الفصيح، وأسعدتني حماستهم وحرصهم على الدراسة والتحصيل، وتفاؤلهم بالمستقبل تفاؤل طالب العلم المسلم المتَّصل عقلاً وقلباً وروحاً بالله عزَّ وجلَّ، كما أسعدني حبهم للجامعة واعتزازهم بالانتماء إليها. ما أجملها من ساعاتٍ في رحاب المدينةالمنورة، وفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وروضته المباركة، وفي ساحات الجامعة الإسلامية المزدهرة بندوات وجلسات المؤتمر. وإننا لنشكر الرجل المجتهد المثابر معالي مدير الجامعة الدكتور (محمد العقلا) على تكوين هذه الصورة الذهنية المشرقة لهذه الجامعة العريقة، وأملنا أن تجد التوصيات طريقها إلى التنفيذ؛ لتكتمل الفائدة من عقد هذا المؤتمر. إشارة : يا أمة ما زلت أُنشد مجدها=