يقول المفكر علي الجارم: (الشجاع مَن يخلق من اليأس أملاً؛ لأن اليأس فيه طعم الموت؛ ولأن في الشجاعة معنى الحياة). تذكرتُ هذه المعاني الكبيرة، وأنا أقرأُ عن الشجاعة النادرة التي كان يتمتّع بها الأخ المسلم الشهم فرمان علي خان، الذي بذل حياته لإنقاذ 14 شخصًا من السيل الجارف، الذي ضرب جدة يوم التروية الماضي. وتذكرتُ قول الحق تبارك وتعالى عن النفس البشرية أيًّا كان صاحبها: (ومَن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعًا). هنيئًا للبطل الهمام فرمان، الذي أحيا الناس جميعًا 14 مرة. تأمّلوا هذا التشبيه الرباني المعجز، هو تشبيه أحسبه يشمل الكم والكيف.. إنقاذ نفس واحدة يرسّخ معاني عظيمة لقيمة النفس البشرية أينما كانت، وإنقاذها كذلك يعدل في الكم إنقاذ 6 مليارات نسمة قدرًا وثوابًا.. ذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء. ما أعظم الأجر الذي ينتظر فرمان في اليوم الآخر.. ذلك ما نحسبه عند الكريم المتعال، ولا نزكّي على الله أحدًا! لكن في المقابل لا بد أن يكون المجتمع كلّه على قدر المسؤولية التي ألقيت عليه، وفاءً بحق الأخ فرمان -رحمه الله- وصونًا لبناته الثلاث، وأرملته من بعده. ذلك أقل القليل الذي يمكن تقديمه للرجل الذي قدّم حياته رخيصة لإنقاذ مواطنين أعزاء، ومقيمين أحباء. والمقترح أن يُعلن عن صندوق لجمع التبرعات لأسرة فرمان بإشراف جهة خيرية موثوقة مثل الندوة العالمية للشباب الإسلامي، أو هيئة الإغاثة الإسلامية، بعيدًا عن بيروقراطية الحكومة، وأن يتسابق أهل الخير، وفي مقدمتهم الراشدون والراشدات ممّن أنقذهم فرمان -بفضل الله، وجود كرمه-. حقيقة لا يمكن إسدال الستار هكذا على (فرمان)، دون تكريم مستحق، وإلاّ بتنا جاحدين للفضل، غير شاكرين للمعروف. وقديمًا قيل: (مَن لم يشكر الناس لم يشكر الله)، وقال ربنا عز وجل: (اعملوا آل داود شكرًا..) وأخيرًا حق لنا أن نتساءل: كم بيننا من أمثال (فرمان) الذين لم نوفهم القدر الأدنى من حقوقهم؟ بل نستمرئ أحيانًا السخرية منهم، والاستهزاء بقدراتهم؟! ترى الرجل الفقير فتزدريه وفي أثوابه أسد هصور