رغم كل الصور ومقاطع الفيديو والأخبار المتواترة عمّا حدث في جدّة في ثامن ذي الحجة إلاّ إنّني مازلت إلى الآن لا أرتقي في تقبلي للحدث كواقع يقيني،ليس شكا في أن يكون أمرا واقعا بالفعل، وإنّما هول ما رايت في شوارع وأماكن طالما سرت فيها وذرعتها طيلة سنوات طويلة،لم يخبرني أحد طيلة تلك السنين أنّي وأهلي قد اتخذنا بطون الأودية محلا وسكناً،تلك الأماكن الّتي أحمل في وجداني عنها الكثير والكثير من الذكريات إلى الآن لم أستوعب أنّها في وضع يشدخ القلب ويصدع الفؤاد .. يا لهول الفاجعة، فاجعة كبيرة ضخمة لا تقل في كارثيتها وضخامتها عن كارثية وضخامة مسؤولية من كان له فيها يد إمّا بالتجاوز أو بالممالأة والسكوت على أوضاع خاطئة، وأعظم من ذلك بلع الميزانيات التي رصدتها الدولة لمشاريع التصريف .في خضم هذا الحدث الفظيع قصص مبكية قرأناها وسمعناها وبعضها شاهدناها عيانا،قصص تستمطر دمع الجمادات قبل البشر،وفي خضمّ هذا الحدث الفظيع مواقف تثير الضحك وتستثير السخرية فيضحك المرء وهو لا يريد أن يضحك ويسخر وهو في قمة الجد،كتابات صحفية غريبة الدافع إلاّ أنّها في النهاية لا تتيح لك إحسان الظن بكاتبها،هكذا هي بعض مواقف البشر لا تسمح لك أن تفسرها إلاّ بسوء القصد لا لأنّك سيّء الظن بالناس بل لأنّ صاحب الموقف هو الذي يدفعك إلى أن تسيء به الظن،واحد من هؤلاء سابق الكل بمقال حاول فيه أن يدافع عن أرباب الفساد بحجج واهية،وكان مقاله ذاك سوءة بكل معنى الكلمة،ولم يقصر الجميع ابتداء من مقالات الزملاء كتاب الصحف حتى في الصحيفة التي يرأس تحريرها،ثم جاء قرار الملك ومرسومه الّذي فاق كلّ من دونه في استشعار حجم الكارثة رحمك الله يا عبدالله بن عبدالعزيز كما رحمت شعبك وواساك في آخرتك كما واسيت شعبك لقد كنت خيرا من أولئك المتملقين الذين يتحملون جزءا من المسؤولية بمثل تلك الكتابات المتملقة،ثم جاء صاحبنا قبل أيام ليترك كلّ المجالات التي تحتمل الكتابة ويتفرغ لتصفية حساباته ويحاول إثارة الشك،وفي من ؟ هل في المسؤولين عن الكارثة التي حاول صرف النظر عن المسؤولين عنها ؟ لا بل في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وجاء صاحبنا يسأل : اين دور الهيئة ورجالها في مساعدة المتضررين،فانظر بالله عليك إلى مثل هذا السؤال ؟ ومثل هذا المقال أين محله من الإعراب في خضم هذه المأساة ؟ ترك صاحبنا كل القطاعات ولم يسأل إلا عن الهيئة، وهو موقف يدل على طيش القلم .