اعتقد ان ممارستنا للانتخابات البلدية كانت تجربة وليدة أدى قصر المعرفة فيها إلى أخطاء تمثلت باختيار بُني في حقيقته على الانتماءات والمجاملات والصداقات مع افتقار إلى معايير وضوابط وشروط يتم من خلالها اختيار العضو المعين او المنتخب فكان نتاج ذلك مجالس لا يعلم أغلب اعضائها عن مهام المجلس البلدي ما يؤهلهم للقيام بواجب العضوية ناهيك عن معرفتهم بلائحة المجالس البلدية التي تمثل الصلاحيات والانظمة المتعلقة بممارسة تلك المجالس لاعمالها. فالملاحظ ان ما يهم بعض الاعضاء انتماؤهم لمجالس وجاهية واجتماعات دورية للخروج بتصريحات مستهلكة لا يلمس المواطن لها نتائج ومرد ذلك ولاشك يعود إلى ارتباط ميزانيات المجالس بالبلديات مما يجعلها تعمل تحت عباءتها فتولد عنه انتماء العضو لمصدر المال اكثر من حرصه على صوت من رشحه ليكون الناطق باسمه المطالب بحقوقه الخدمية لينجم عن ذلك تفريط اغلب المجالس بدورها الرقابي وهو ما يمثل عجزها عن الممارسة الفعلية التي ادت إلى تهميش هذا الدور. وقد طالبنا كثيرا بفصل المجالس البلدية عن البلديات ففي ذلك تفعيل لأعمالها ومهامها المناطة بها لتمارسها بكل حرية واقترنت تلك المطالبة بأهمية تقويم اداء اعمال تلك المجالس قبل التفكير بالتجديد لاعضائها وهو ما جعلهم يشعرون بالاطمئنان والرضا عن ادائهم كما أصل لديهم القناعة بمواصلة دورهم في بقاء الحال كما هو عليه وخير شاهد على ذلك ما تمخضت عنه كارثة جدة التي ظل مجلسها البلدي الذي يمارس صمته طيلة تلك العقود وهو يرى افتقارها لأهم الأعمال الخدمية المتمثلة بشبكة الصرف الصحي وتصريف مياه الامطار والسيول وواصل صمته عن بحيرة المسك التي لم تأخذ من المسك سوى سواده كما لم يحرك ساكنا وهو يرى طفح المجاري وازدياد المستنقعات وانتشارها في أحياء جدة وكان من نتائجها التلوث البيئي وحمى الضنك. وبعد الكارثة بدأنا نسمع اصواتا جعلت الدكتور عبدالرحمن العرابي يتعجب في مقاله تحت عنوان (منطق غريب) من تصريح رئيس المجلس البلدي بجدة والذي قال فيه: (ما حدث في مدينة جدة أكبر من امكانيات كل الأجهزة فالمساحة المتضررة كبيرة ولا يمكن ان تعمل في موقع واحد) ومصدر تعجب الدكتور العرابي ان الدولة وفرت الامكانيات المادية والمالية وهذا صحيح. كما اورد العرابي قول رئيس المجلس البلدي بجدة الذي يطالب فيه الجميع بالاتزان والتعقل في مناقشة الفاجعة حيث يقول: (يجب ترك إلقاء اللوم على البعض والمحاسبة للجهة الأخرى). ومع تقديرنا لرئيس المجلس البلدي بجدة إلا ان تساؤلنا لسعادته ينحصر بالقول اين صوت المجلس قبل الكارثة والمضحك وشر البلية ما يضحك ان بعض اعضاء المجلس بدأت اصواتهم ترتفع ملقين اللوم على أمين جدة لأنه لم يجب عن اسئلتهم التسعة والتي اشترطوا من باب الدقة ان تكون الاجابة عن كل سؤال على حدة لأنهم كما صرح رئيس المجلس مسؤولون أمام المواطنين والمسؤولين فلابد ان يحصلوا على اجابة وكأني بأمين جدة وهو يخضع لهذه المطالبة وفي هذا الوقت بالذات يبادرهم هو الاخر بسؤال يفرضه واقع الحال يقول: الآن أينكم وقد حدث ما حدث؟ ويبدو أن اعضاء المجلس ادركوا في خضم الأحداث وارتفاع الاصوات وفي اعقاب الكارثة ان صوتهم لابد ان يسمع فتساءلوا اعلاميا عن سبب عدم إجابة الأمين عن اسئلتهم. وسعت صحيفة المدينة ادراكاً لدورها المهني إلى المعنيين بأمانة جدة ناقلة تساؤلات اعضاء المجلس البلدي باحثة عن اجابة لها. وهنا يجب ان يدرك الجميع ان الزمان يلعب دوره في المواقف والاحداث فالاجابة هنا تنحصر بين المبررات والاعترافات وكلا الامرين مر ولاشك ان في الكارثة دروسا وعبرا على المعنيين بها والمشاركين بالصمت عنها ان يعوها ليدركوا جيدا ان التهاون في مسؤوليات جسيمة كهذه عواقبه وخيمة واخطاءه قاتلة والخسائر في البنى التحتية يؤدي إلى ضياع الأموال في الاصلاح اي العودة إلى الوراء بدلا من الانطلاق في التطوير إلى الامام تشييداً وبناءً .