دعونا من التعديات الآن، ولنتحدث عن المرخصات، فهناك أربعة أو خمسة أودية \"مجاري سيول\" في جدة تحول بعضها، أو أجزاء كبيرة منها إلى مخططات نظامية في أوقات ماضية مختلفة، هذه المخططات يملكها بعض الهوامير بطريقة أو بأخرى وحصلوا على صكوك شرعية ممهورة بتواقيع وأختام قضاة، ثم حصلوا على تراخيص لتخطيطها وبيعها من أمانة جدة ممهورة بتواقيع وأختام مسؤولين كبار، ثم باعوا هذه المخططات على المواطنين الذين اشتروا القطعة منها بعشرات أو مئات الآلاف، وحصلوا على تراخيص بناء من الأمانة، وبنوا بيوتهم ووصلتهم الخدمات، وسكنوا. والآن وقعت الكارثة. وجاء السيل العرمرم ليقول بملء فمه المملوء جثثاً الفساد حدث هنا، يقصد في اغتصاب طريقه، والفاسدون هؤلاء، وأشار بيده المبلولة بأرواح الموتى وبقايا سيارات وأملاك الأحياء إلى الهامور الذي اغتصب طريق السيل منذ زمن، وإلى القاضي الذي منحه الصك على مضارب الغيث وإلى أمين جدة أو غيره من مسؤولي الأمانة الذي منح الترخيص لتخطيط وبيع أملاك المطر. هؤلاء الثلاثة هم من يتحمل نتائج الكارثة عن كل مخطط في مجاري السيول، وقد يتحمل المسؤولية معهم آخرون، لكن هؤلاء الثلاثة هم الرؤوس الرئيسة في أمر كل مخطط من هذه النوعية. والمخططات معروفة بأسمائها، وأسماء ملاكها الأصليين، وأصحاب مكاتب العقار العريقين في المهنة يستطيعون تقديم تاريخ مفصل لكل مخطط، مع الملابسات التي صاحبت صكّه في المحكمة، وترخيصه في الأمانة، ومن ساهم فيهما من وسطاء، بل وربما عرفوا – أقصد العقاريين القدامى – حتى من اقترح على الهامور الأساسي أن يأخذ الموقع ويضع يده عليه، أو دله عليه وسيّل لعابه لعائداته. إنني لا أعرف إن كانت لجنة التحقيق التي بدأت أعمالها يوم السبت الماضي ستأخذ هذا المنحى أم لا، وبصراحة لا يهمني كيف ستتم معاقبة هؤلاء الرؤوس من عدمها فأمرهم إلى الله ثم إلى ولي الأمر، لكن الذي يهمني أن ينال كل من تملك أرضاً وبنى في هذه المخططات، أرضاً بديلة في موقع آمن وتعويضاً مالياً يمكنه من البناء مجدداً على حساب ومن جيوب تلك الرؤوس التي تضافرت لنهب أملاك المطر، وإعادة أملاكه إليه ليسير منها متى أراد الله له الهطول.