بعد الإشراف على موسم الحج الناجح، وبعد موجة الرضا العارمة، التي عمّت الوطن من جرّاء الأمر الملكي الكريم لمعالجة أضرار كارثة الأمطار في محافظة جدة، والذي تضمن تعويضًا سخيًّا لأهالي الضحايا.. بدون تمييز.. ينتقل خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- إلى مسرح أحداث أخرى في غاية الأهمية، حيث قام بزيارة تفقدية ناجحة. وأضاف لفتة كريمة مستحقة من القائد القدوة عبدالله بن عبدالعزيز الذي ما إن وطئت أقدامه أرض جازان حتى أصدر أمره الكريم ببناء عشرة آلاف وحدة سكنية بكامل تجهيزاتها، تشمل المساجد والمدارس والمرافق الصحية.. لإيواء أبنائه النازحين من الشريط الحدودي بين المملكة واليمن الشقيق بسبب النزاع المسلح الجاري في تلك المنطقة. إن هذا التحرك السريع للتصدي للتحديات، ومعالجة أوضاع المحتاجين والمضطرين من أبناء الوطن، لهو مثال قيادي من الطراز الأول، من شخصية مفعمة بالإنسانية، وحب تلمس أحوال من هم في أمسّ الحاجة وتضميد جراحهم، بعد أن اضطرتهم المعارك الدائرة على الحدود الجنوبية إلى ترك بيوتهم وقراهم المتواضعة، إلى مخيمات مؤقتة، حتى تستطيع القوات المسلحة صد العدوان وتطهير الشريط الحدودي من بؤر التسلل، وتهريب السلاح إلى داخل أرض المملكة العربية السعودية. ويأتي الأمر الملكي الكريم تعبيرًا صادقًا عن مدى اهتمام المملكة بمواطنيها على القرى الحدودية حتى لا يظن أحد أن بإمكانه التسلل وزعزعة ثقة أولئك المواطنين، أو التغرير بهم. إن القائد العظيم عندما تصلح سريرته، وتصدق نواياه لا يحتاج إلى مبررات لاتخاذ القرارات الصائبة، وإنما يفعل ذلك بحس العدل، ومحبة شعبه، ووفاء بعهده، عند توليه الحكم (هذا هو عبدالله بن عبدالعزيز). وعندما يذهب الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى أرض المعركة ليرى عن قرب سير المجهود الحربي، ويرفع من معنويات جنوده البواسل، فهو يضرب مثلاً قياديًا آخر على قربه من أبنائه حملة السلاح للذود عن أرض الوطن، ويبث مزيدًا من الدفء الإنساني في قلوبهم. إن التجاذبات السياسية التي تحيط بالمملكة العربية السعودية من كل جهاتها تفرض الحزم والحسم معًا، وتفرض الدعم الكامل لمن يضحون بأرواحهم دفاعًا عن الوطن، والحمد لله أن الملك عبدالله -القائد الإنسان- هو أيضًا، القائد الحازم، الذي يقول للخصوم بمنطق الصراحة، من أراد السلم فله ذلك، ومن أراد التحرش بحدودنا والاعتداء على أراضينا، فله الشرر المستطير، حتى يعود عن غيه. هذه رسائل واضحة لمن أراد أن يفهمها، ومن تعمد الغواية، فسينال الجزاء الصارم بإذن الله تعالى. ولعل هذه الإحداث المتتالية التي تمر بها المملكة في هذه المرحلة، تثبت لنا جميعًا أن التنمية المستدامة الشاملة في جميع أرجاء الوطن هي الضامن الرئيسي، وأمر لا مناص منه، وأن ذلك خير درع يقينا من أطماع القوى المتربصة بالبلد وأهله. إن ما يحصل في المملكة.. في هذه المرحلة.. من توجه غير مسبوق.. بقيادة إنسانية صادقة.. لمعالجة الفساد الإداري، وسد حاجات المناطق التي لم تنل نصيبها الكافي من التنمية، والشمولية في النظرة الإدارية للوطن ككل، يجب أن تحفز المواطنين على الاستقامة، وتكون إنذارًا واضحًا للمتلاعبين بالكف عن العبث الإداري، وبذل أقصى ما يمكن لمؤازرة هذه القيادة الصادقة مع نفسها ومع شعبها، حتى نمضي قُدمًا في مسيرتنا التنموية، من أجل بناء مستقبل زاهر للأجيال القادمة -بإذن الله تعالى- وحماية أرض الحرمين الشريفين من عبث العابثين.. والله من وراء القصد.