تحمل سورة النمل في القرآن الكريم معاني بليغة عن قيمة الإدارة الناجحة من خلال أعظم حشرة صغيرة ألا وهي \" النملة \" التي تنطلق عظم مكانتها من خلال مخاطبتها للنبي \"سليمان \" عليه السلام وهي تأمر مجموعتها بالدخول لمساكنها خوفاً من تحطيمه لها، حيث تندرج عظم مكانتها أيضاً من القدرة الإلهية التي منحت لها في أدائها الدؤوب والمستمر لكي تبني حياتها المليئة بالأسرار! هذا المخلوق الصغير الذي قد يداس بالأقدام يملك عالماً مميزاً من النشاط اليومي، والتكاتف الاجتماعي بين مجموعاته، وإرسال الإشارات التحذيرية لأي هجوم خارجي، والمساندة للطرف الآخر عندما يتعرض لأي عارض قد يعيقه عن العمل، ولديه قدرة ملحوظة لو وضعناه تحت المتابعة في الحفاظ على مكانه المخصص لمعيشته مهما كانت المخاطر من حوله. وأعتقد أن هذه المميزات التي تنعم بها النملة ساهمت في الحفاظ على ديمومتها إلى وقتنا الحاضر بالرغم من أن آلاف المبيدات الحشرية المصنعة لمكافحتها حيث قد نجدها في أماكن كثيرة ولها مخابئها الخاصة! لذلك قد يفوت على كثير من علماء التخطيط الإداري كيف أن هذه الحشرة الصغيرة قد ننهل منها فنيات الإدارة الناجحة والقائمة على التجديد والتنويع في مجال العمل اليومي من خلال المجموعات الصغيرة التي لا تنظر للخلف، بل تضع المسارات المضاءة أمامها رغبة في خلق روح ابتكارية تهزم المعوقات الإدارية الروتينية لا أن تهزمها وتعطيها فرصاً مستمرة للإحباط والانسحاب! ولا تفوتني تلك الحكاية الكرتونية وهي تحمل بين سطورها تعليمات إدارية دقيقة، وهي تشير لنشاط نملة لم تكن تحت الرقابة الإدارية، وأثارت إعجاب ملك الغابة \" الأسد \" لنشاطها بدون رقيب، ففضل التدخل في برنامجها اليومي وقام بتعيين أكثر من طائر لضبط العمل مما أدى لتكدس الموظفين وساهم في اكتئاب النملة النشيطة وتقاعسها عن العمل وبالتالي استبعادها بعد قرار أصدره ملك الغابة! هذه الحكاية الكرتونية تحمل إشارات إدارية هامة لها دور كبير في فشل العمل الإداري منها \" الرقابة المتسلطة التي قد تفقد الموظف الثقة بنفسه وبعطائه، والتكدس الوظيفي الذي يؤدي للبطالة المقنعة والتداخل في الأدوار، وتشتت الصلاحيات، وأن التغيير في القائمين على العمل مهم جداً لكنه لا يقل خطورة عندما يظل أصحاب القرار في مناصبهم الإدارية لسنوات طويلة تفوق حتى قدرتهم الجسدية والفكرية مما تسبب في تعطل القدرات الطموحة والشابة! لذلك فإن الجهود المميزة التي لمسناها في \" المؤتمر الدولي للتنمية الإدارية \" بمناسبة مرور 50 عاماً على إنشاء معهد الإدارة العامة والتي قدمت توصيات هامة جداً بهدف أداء متميز في القطاع الحكومي بعد طرح أكثر من 120 بحثاً وورقة عمل، لن تحقق الأهداف المرجوة منه إذا ظلت تلك التوصيات حبيسة الأدراج بدون تفعيل، وتركت المستعمرين الإداريين فيها بدون تغيير تحت مظلة المركزية التي تقتل كل إبداع إداري.