لعل أخطر ما تعانيه مسيرتنا التنموية عبر العقود الماضية هو فقدان العمل المؤسسي وذبول الفكر الجماعي ونشاط وتفرد الفكر الفردي الذي استطاع ان يسيطر على منطقة اتخاذ القرار في القطاعات المختلفة التي تعد منطلق الحراك لكل عمل تنموي حتى تأزم الموقف واصبحت عملياتنا التنموية تعيش الكثير من حالات الشد والجذب والبناء والهدم بين مختلف الفئات ثم السابقون واللاحقون وكانت المحصلة النهائية لتلك الحالة المستدامة بطء الحراك التنموي وتنامي الهدر المالي واستشراء الفساد الاداري الذي اصبح داء ينخر جسد المجتمع وينهك قواه. ولعل الخروج من هذا المأزق المستدام لا يتم الا في ظل عملية اصلاحية شاملة تنطلق من خطط استراتيجية محكمة جدا يشرف على اعدادها الكثير من الخبراء والمختصين في هذا المجال على أن تنطلق تلك العملية الإصلاحية الشاملة من خطط تنموية استراتيجية على مستوى الدولة على ان يقوم بتغذية تلك الخطط خطط مؤسسية مماثلة لها لكل منحى من مناحي الحياة وعلى ان يتم تحديد فترات زمنية محددة ومنتظمة تتم فيها المراجعة والمحاسبة لكل خطة من تلك الخطط من قبل شركات محايدة ومتخصصة في هذا المجال وهنا فقط يمكن القول أننا نسير باتجاه الارتقاء الذي نطمح اليه جميعا ويمكن القول اننا بعد عقد او عقدين او ثلاثة من الزمان سنلحق بالعالم الأول وسنكون أحد أطرافه. ولعل تحقيق مثل هذا الحلم الجميل لن يكون مستحيلا عندما نحسن النوايا ونصدقها ونحسن اختيار المطايا ونجيد تسييرها ونكون منابر إشعاع لا معاول هدم وينتصر حب الوطن في ذواتنا على حب العائلة والقبيلة والفئة فمسيرة الوطن الأهم والأجدر لأنها حتما ستوصلنا جميعا الى أعلى المراتب أما حب الذات أو القبيلة او العائلة او الفئة فلن تستطيع البقاء والاستدامة حتى لو ارتقت وعلت لأنها حتما ستبقى دوما حبيسة لسقف الوطن واطاره ولعل المرحلة الحالية التي نعيشها قد كشفت لنا الكثير من اختلال الموازين وبطلان القناعات التي ادت الى الكثير من المتاهات وهاهو قائد مسيرتنا ونبراسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك الإصلاح ورائد التجديد قد أضاء الكثير من الشمعات وفتح الكثير من الابواب الموصدة ومهد الكثير من المسارب المتعثرة وهو يقول لنا بكل حب ان حب الوطن للجميع والولاء له والانتماء لكيانه للجميع وخدمته والتضحية له للجميع فهلا استجبنا واتجهنا جميعا هذا الاتجاه تحت راية الملك المحبوب وفقه الله ورعاه. وحتى يتحقق حلمنا جميعا بوطن يعتلي سلم المجد يرفع هاماتنا ويستثمر طاقاتنا ويسجل بمداد الذهب على لوحة التاريخ منجزاتنا فلابد ان ننطلق في خدمته من منطلقات علمية يأتي في مقدمتها وضع خطط استراتيجية للدولة منها البعيدة المدى والمتوسطة والقصيرة ويقوم على وضعها الجهة المعنية بذلك وهي وزارة التخطيط على ان يقوم بوضع تلك الخطط الكثير من الخبراء وذوي الاختصاص من داخل المملكة وخارجها وان تعلن تلك الخطط بكل وضوح وخاصة ذات العلاقة بالعمل التنموي المباشر للمواطن حتى يكون شاهدا نرتكز اليه ونكون عليها شهداء، فمن حق المواطن ان يعرف مثل تلك الخطط ليكون شاهدا ورقيبا وعلى كل مؤسسة ان تنحو هذا المنحى وان يقوم عى بناء تلك الخطط الاستراتيجية ذوو الشأن من الخبراء والمختصين وان ترتبط مباشرة بالخطط العامة للدولة. وحتى يتحقق الغرض من تلك الخطط فإن الأمر يستوجب تحديد المهام بكل وضوح لكل مؤسسة وكل إدارة وكل فرد يعمل بها وأن يعاد النظر في الهياكل الادارية لكل مؤسسة وأن ينطلق اختيار القادة فيها من معايير علمية قد أحسن تقنينها بعيدا عن المحسوبية والعائلة والقبيلة والفئة فكل مواطن مبدع مخلص له الحق ان يكون خادما لهذا الوطن وقائما على إدارته ومحاسبته لأنه شريك في ترابه ومائه وهوائه ولابد أن يكون شريكا في حبه وخدمته والله تعالى من وراء القصد .