الوعي والحميمية والمسؤولية والتقدير أربع كلمات انداحت ظلالها في حروف البرقيتين المتبادلتين بين خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد حفظهما الله بمناسبة افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا. الكلمات الأربع ليست جديدة ولا غريبة في علاقة ربان السفينة بعضده الأيمن خاصة في جانبها الحميمي بين الأخوين الكبيرين، ولها تجلياتها التي كانت واضحة في كلمتي \"أخي\" و \"سيدي\" اللتين تصدرتا البرقيتين، وهي من قبل راسخة ولعل أحدث وأجمل تصوير لها جاء على لسان الشاعر مشعل بن محماس الحارثي عند زيارة عبدالله لأخيه سلطان في المغرب إذ قال يخاطب المليك: واليوم تشرح كيف مفهوم الإخوان بعيد عن حكم البلاد وأموره لكن البرقيتين فوق ذلك جاءتا تعبيراً عن عمق الوعي والتقدير لأهمية وعظمة المسؤولية، وتكريساً لقيمة حاضر الوطن ومستقبله في وجدان القيادة واهتمامها. الأمير سلطان الذي تتطلع القلوب هنا إلى معانقة اطلالته القريبة بإذن الله، حاضر في وجدان الوطن وعمق نهضته، وقد جاءت برقيته توصيفاً دقيقاً وشاملاً للإنجاز الحضاري الضخم ودلالاته وانعكاساته على الوطن والعلم، ولشخصية صاحب الإنجاز الملك عبدالله الذي عرفه شعبه والعالم بإخلاصه لعقيدته ووفائه لأمته وحبه للإنسانية وحرصه على العلم وأهله. وجاءت برقية المليك مستلهمة أمجاد الباني المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، ومذكرة بحلم الوحدة الذي كان هاجس الموحد حتى حققه لتتسلمه أيادي أبنائه الأمينة عليه الموفية لواضع أسسه، ليأتي حلم الملك عبدالله بهذه الجامعة العملاقة \"كبعض قطاف زرعه\". وليكن هذا الحلم العظيم الذي تحقق امتداداً لأحلام عظيمة تحققت وفي طليعتها حلم أعظم وحدة شهدها التاريخ العربي الحديث على يدي عبدالعزيز الذي تمثل وفعل بقول الشاعر نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل \"فوق\" ما فعلوا ومن بعده فعل أبناؤه ومازالوا يفعلون. وكما قلت، فالبرقيتان عبرتا بوضوح لأبناء الوطن عن عمق الوعي والتقدير لأهمية وعظمة المسؤولية الوطنية في وجدان القيادة، لكنهما من جهة أخرى جاءتا رسالة بليغة غير مباشرة لأولئك الراتعين في غي الوهم الباحث أو المتطلع لفجوة في جدار اللحمة السعودية العتيد المنيع، الذين مافتئوا يرددون ويزيدون ويعيدون في أوهامهم وتخرصاتهم منذ أن قام هذا الكيان العظيم حتى اليوم، ومع أن أوهامهم تتبخر تحت شمس الحقيقة. إلا أنهم سيظلون سادرين في غيهم كلما صدمهم حلم يتحقق فعلاً في الواقع السعودي، وكلما تبدد وهم ينسجونه كخيوط العنكبوت. رسالة البرقيتين البليغة قالت بوضوح هكذا نحلم ونحقق يداً بيد وقلباً بقلب، فنسمو كابراً عن كابر، وهكذا يتوهمون فيتساقطون صاغراً عن صاغر.