من ما انعم الله به علينا ان وهبنا شهر رمضان، شهرا عظيما تتنزل فيه الرحمات وترفع الحسنات، وتغفر فيه الزلات وتقبل التوبات، انه شهر لايعدله شهر، والسعيد فيه من حظي بالحظ العظيم، واستثمر وقته فيما يستحق الاستثمار، فلقد طوى شهر القرآن ايامه، وانقضت ساعاته، فربح من ربح، وشقي من شقي، وسعد من سعد، انقضى الشهر فمن ادرك خيره نال الرضا وفاز، ومن فرط فيه خسر خسرانا مبينا، والناس في ذلك على مذاهب، فمنهم من طهر قلبه ونفسه مع دخول هذا الشهر، فوصل رحمه الذي طالما كان قاطعا له ردحا من الزمن، واخر ذو مخصمة صفح فيها، فنال رضى الرب ومحبة العباد، واخرون اعادوا حقوقا مسلوبة لاصحابها، والبعض منهم كان هاجرا لكتاب الله، فصادقه وتدبره، ومنهم من عرف طريق المسجد بعد ان ضل ذلك الطريق كثيرا، انها كانت سانحة خير لمن استثمر وقته وجهده، وخسارة فادحة لمن خرج شهره دون ان يغير ذلك منه شيئاً، وهاهو اليوم يطل علينا عيد الفطر إذاناً باقفال حسابات رمضان بايامه ولياليه، فلعلها تكون سانحة لمن يرغب في تطهير نفسه من درن الحياة، ويصلح ما بينه وبين ربه، وما بينه وبين رحمه واصدقائه وزملائه، فالحياة مليئة بالمتغيرات التي من شأنها تلويث تضاريس النفس البشرية، وذو البصيرة يدرك ان ايام العيد ايام عفو وصفح وتسامح ووئام، فلا تكتمل افراح العيد الا بلم الشمل بين الاهل والاصدقاء، والاصحاب والزملاء، فما طول في الاعمار كثر الجفاء، وما زاد في الثروة طول الخصام، ولم يحصد المتخاصمون والمتجافون الا بعداً من الله، وشقاء بين العباد. يأتي العيد اليوم وهناك من فقد عزيزا لديه، فهو في ذلك جدير بالترحم عليه والعظة منه، فإن غادر هذه الدنيا الاحباب، فان الباقين ينتظرون الرحيل بالباب، انها طريق على الجميع ان يسلكوه، والقبر دار على الجميع ان يسكنوه، فاملأ ايامك يا ابن ادم من خيرات الله، واصفح عن زلات عباده، فلا تعلم متى يكون الرحيل، والى اين العبور، ومستقر المصير، فاجعل هذا العيد اعلاناً بتغيير حياتك، من واقع عشته وانت غير راضٍ عنه، الى امل تسعى الى تحقيقه، تُرضي به المولى، وتنير به طريق غدك، الذي لاتعلم متى تسلكه، واين يفضي بك مسلكه. يأتي العيد والامة الاسلامية والعربية تعاني من الجراح النازفة التي اوهنتها، وجعلت اعداءها من ابنائها، فطفق المتطرفون في تدمير البناء الاجتماعي والتنموي لبلدانهم، يدفعهم الى ذلك ضلالهم، ويحركهم اعداؤهم واعداء الدين والوطن، يأتي العيد وابناء المسرى يتقاتلون جوار الاقصى، فتشتت ما بقي من الشمل، وائتلف ما تفرق من الاعداء، في مواجهة الموقف المتردي للامة، انها مناسبة لان نرفع اكف الضراعة للمولى الله جلت قدرته في هذه الايام المباركه، ان يعيد هذا العيد على الامتين العربية والاسلامية وهي على اعدائها منتصرة، وبابنائها معتزة، ونحو المعالى متجهة، وان يجعل مجتمعاتنا امنة مطمئنة، ابناءها بُناتها، وعلماءها هداتها، لاعدائهم داحرين، وعلى دينهم وعقيدتهم محافظين، وللارهاب والضلال مناهضين، يتحلون بالكرامه والعزيمة، والعزة لهم شكيمة، اللهم اعده علينا باليمن والرخاء، والامن والنماء، وكل عام والجميع في احسن حال.