كان حديث مقال الأسبوع الفارط في رحى كتاب المحاضرة الأخيرة ل(راندي بوتش)، الذي أُصيب بسرطان (البنكرياس) حتّى استشرى المرض في أحشائه؛ واستطاع بقوّة الإرادة، والعزيمة الصّادقة أن يتعايش مع وضعه الصّحيّ، ويقدّم لمريديه خلاصة أحلامه وتجلّياته. وسأكمل سطوري ببعض الأمنيات التي راودتني وأنا أَقْلّبُ الصفحة الأخيرة من الكتاب؛ مردفًا ببعض المقولات التي استوقفتني تاركًا للقارئ الكريم استنطاق ما حوته من رؤىً ومعانٍ. لهذا تمنيّتُ أن يكون بين ظهرانينا أمثال (راندي بوتش) يحكي لنا بروح صادقة، لا من حيث معاناته مع مرضه فقط؛ ولكن من خلال إلقاء الضّوء على ما قدّمه من مباسط العون والمساعدة، ويقص علينا مفارش الخيرات التي أسعد بها المحتاجين، ويسرد لنا ما جادت به أفكاره من حكمة بالغة، بلسان صدق تصحيحًا للمعوّج، وتعديلاً للسّاقط. تمنيّتُ وأنا أعيد تمرير صفحات الكتاب بعد الانتهاء من قراءته أن يكون لدينا مَن يقرّ بأخطائه في حق نفسه وفي حق الآخرين، ويعترف (بسوءِ) ما أقدم عليه، ومراجعًا حصيلة ما (كَسَبَ) قلُمه وما (جنى) فكره، ويبسط لنا القول حول (مناكفته) للناجحين؛ سعيًا لإبطال مساعيهم وصرفهم عن تحقيق ما يصبون إليه. تمنيّتُ أن يقرأَ الآباءُ والمربّون صفحات الكتاب؛ حرفًا حرفًا، وسطرًا سطرًا؛ ليحسنوا التّعامل مع أبنائهم وطلابهم وما تحت أيديهم. تمنيّت أن يكون بجواري واحد يُعلن بصريح العبارة قائلاً: هذه (نجاحاتي!) وهذه (إخفاقاتي!) فاقرأوا منها ما تشاؤون. هل انتهت الأمنيات في هذا الباب؟! لا والله.. ولكننّي سأدع القلم لظرف المساحة ينقل لنا نتفًا في سطور قليلة ما قال به صاحبنا (راندي بوتش): • إنَّ الخبرة هي الشيء الذي تفوز به عندما لا توفّق في تحقيق ما كنت ترنو إليه. • على الرغم من جميع المشاكل التي أعاني منها الآن في حياتي، والعلاج الطّبي الذي أتلقاه ما زلت أحاول أن أكتبَ بخط يدي عبارات ثناء كلّما استلزم الأمر؛ إنّه ألطف ما يمكن أن تقوم به، ولا تعرف مدى السّحر الذي تصنعه تلك العبارات عندما يجدها المرسل إليه. • لو طُلب مني نصيحة موجزة في كلمتين سأقول: (كن صادقًا) ولو زدت على حد الكلمتين سأضيف لها: (في جميع الأوقات). • عندما كنتُ في الخامسة عشرة من عمري كنت أعمل في بستان فراولة، ومعظم رفقائي كانوا من العاملين، وكان من بينهم أستاذان أيضًا عملا من أجل كسب مزيد من المال في فترة الصيف. وتحدثت لوالدي معلّقًا على وضع هذين الأستاذين وقلت له: إنَّ هذه الوظيفة وضيعة بالنسبة لهما، (وكنت أعتقد أنّها وضيعة بالنسبة لي أيضًا)! فتحدّث إليَّ أبي بتعصّب لا أتذكّر أنّه تحدّث معي بمثله طوال حياتي، حيث كان يعتقد أبي أنّ العمل اليدوي لا يعلوه شيء، وقال لي إنّه يفضّل رؤيتي وأنا أعمل بجد في حفر القنوات على أن أقبع خلف مقعد في الفصل، وأنا أتباهى بنفسي أشد المباهاة. • هناك أشياء عديدة أودّ أن أخبر بها أولادي ولكنّهم الآن لا يزالون في طور الطّفولة التي لا تؤهلهم لفهم ما سأقوله لهم ف(ديلان) قد أتم السادسة مؤخرًا، و(لوجان) لا يزال في الثالثة من عمره، و(كالوى) لم تتجاوز الاثني عشر شهرًا بعد، أريدهم أن يعلموا مَن أكون أنا، وما الذي آمنت به دومًا، أريد أن أطلعهم على كل الوسائل التي اتبعتها تعبيرًا عن حبّي لهم؛ ولكن في ضوء مراحلهم السنيّة الحاليّة، سيكون معظم حديثي عن هذه الأشياء فوق طاقة استيعابهم. • سألني بعض الأشخاص مؤخرًا عن تلك الآمال التي تحدوني نحو أبنائي: ولي إجابة مباشرة عن هذا السؤال: أقول إنّه من السيئ أن يحدد الآباء بأنفسهم أحلام صغارهم من الأطفال. • وظيفة الآباء تتمثل في تشجيع الأطفال على أن ينمّوا نظرتهم للحياة التي يعلوها الشعور بالبهجة والسعادة، وأن يشجعوهم على تحقيق ما يراودهم هم من أحلام، إنّ أفضل ما في وسعنا أن نقدّمه لهم هو مساعدتهم على تطوير مجموعة شخصية من الأدوات التي تساعدهم على تحقيق هذه المهمة. • شكرًا لأولئك الذين يحفزون الناس للأفضل، فهم يتركون أثرًا لا يُمحى في نفوسنا. • الأطفال في حاجة إلى أن يروا حب آبائهم لهم؛ وذلك أمر ليس حكرًا على الآباء الأحياء فقط: أي يستطيع الأب وهو ميّت أن يُري أبناءه حبّه، بما تركه لهم من ذكريات جميلة.