أصبحت (المجاهرة بالرّذيلة) كعنوان وموضوع؛ هما الأبرز في السّاحة الإعلاميّة على مدى الأسبوعين الماضييّن؛ وذلك على خلفيّة ما بثته إحدى القنوات الفضائيّة من مقاطع مخلّة، واعترافات صريحة؛ منفلتة من زمام المروءة: خادشة للحياء، ومصحوبة بقلّة الأدب. ولا تثريب عليَّ إنْ قلتُ إننَّي لن أضيف شيئًا على ما قال به سماحة المفتي حول المجاهرة بالرّذيلة على أنَّها \" قلّة حياء، وقلّة خوف من الله\". فإذا كان ذلك الشاب المجاهر بالرذيلة قد وقع في (سَوْءةٍ فاضحة) تنمّ عن خللٍ فكريّ، وبعد دينيّ فإننَّي أعترف أنْى لست مع المنادين بقتله (تعزيرًا) كما نادى البعض؛ كردّ انفعالي أكثر منه عقلاني. ولست- أيضاً- مخوّلاً؛ لا علمًا، ولا فقهًا؛ بإصدار الأحكام القضائية كمثل من استباح لنفسه إصدار الأحكام، وتمثّل صورة القضاء؛ فرؤيتي الفقهيّة قاصرة أتفهّمها جيدًا أكثر من غيري خاصّة في هذا الباب تحديدًا. وذلك لا يعني - أبداً- البراءة من الجرم، فالسوءة التي أثمها ذلك الشّاب هي في أول الأمر وخاتمته (قلّة حياء)، و(قلّة خوف من الله)، كما أنَّ الضرر المترتّب عليها لا يقف عند حدود مرتكبها؛ بل يتعدّاه إلى مجتمعه الذي احتضنه وسكن إليه؛ ولكنَّ المجتمع ( شاء.. أو أبى) مشاركٌ فاعل في هذه السّوءة وذلك الجرم!!. يقول سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ:\" إنَّ المجاهرة بالرذيلة قلة حياء وقلة خوف من الله\". ويضيف:\" المجاهرة بالرذيلة أعظم من المعصية؛ لأنَّ المجاهر بات يستره ربه ثم أصبح يهتك ستر الله\". ويقول في ردٍّ على سؤال حول ظهور أحد الشّباب على قناة فضائيّة والتّحدث بالرّذيلة والمجاهرة بالمعصية:\" البشر يخطئ وكلّنا خطّاء وخير الخطّائين التّوابون، أبونا آدم قال له الله : أسكن الجنّة وكلْ جميع ما فيها إلاَّ هذه الشّجرة المعيّنة يعلمها آدم وحواء، ومع هذا أزلّهما الشّيطان ووسوس لهما حتّى أكلا منها، فوقعت الخطيئة لكنَّ الله تاب على آدم\". وفي روح أبويّة تتفهّم بعض مماحكات الشّباب وطيشه يقول: \" بعض الشّباب هدانا الله وإيّاهم في بعض اللقاءات إذا جاءوا من سفر تحدّثوا عن فسوقهم وعن مجونهم وأين ذهبوا وماذا فعلوا، كل هذا أمور سيئة وخطيرة، لأنَّ الإنسان يتحدّث عن الجريمة وينشرها ويعلنها\". وفي وعي بأبعاد (الطّيش)، و(النّزق) الذي يخالط سلوكيات الشّباب يعجبني أيّما إعجاب قول المفكر الإسلامي سلمان العودة في برنامج\" الحياة كلمة\":\" إنَّ الشاب المجاهر بالرذيلة لا يمثل إلاّ نفسه\". كلّ ما أوردته نقلاً عن سماحة المفتي، أو الشيخ سلمان العودة هو في الجملة جميلٌ وحسنٌ يمثّل - على الأقل في اعتقادي- وجهة نظر تأخذ بعدًا آخر ، يدعو إلى التّعقل والتّريث في إصدار الأحكام؛ بعيدًا عن التّشنّج والتّفاعل العاطفي مع تفهمي للغيرة الدينيّة التي تلامس قلوب الجميع. فتأمل قول المفتي:\" البشر يخطئ وكلنا خطّاء وخير الخطّائين التّوابون\". وقوله: \"بعض الشّباب هدانا الله وإياهم\". ولنعد النّظر في قول الدكتور العودة:\" إنَّ الشّاب المجاهر بالرذيلة لا يمثل إلاَّ نفسه\". هنا يحقّ لي بلا تثريب أو تشنّج وانفعال القول إنَّ على المجتمع أن يعيد ( قراءة نفسه). وأن يعيد - أيضاً- قراءة ما أقدم عليه ذلك الشّاب بعد أن أثقل المجتمع كثيراً على (أبنائه) و(أقاربه) أيَّما إثقال؛ قراءةً تأخذ أبعادًا (تُحيط) بالجرم لا ب (فاعل) الجرم نفسه وذلك من زوايا مختلفة. إنَّ المجتمع نسي نفسه - وكثيرًا ما ينسى- في غمرة هذه المجاهرة والجراءة التي لحقت بأحد أبنائه فانبرى يصبّ جام حنقه على هذا الشّاب، ومَنْ سانده، وأباح له أن (يسقط) هذه السّوءة ، إنَّ مَثَل هذا المجتمع كمثلِ الأب الذي لا يعرف (خيبة) ابنه، و(صعلكته)، و (طيشه) إلاَّ ساعة الإخفاق، وحين وقوع الجريرة، وتمثّل السّوءة؛ ونسى، أو تناسى دوره الذي يجب: رعايةً، واهتمامًا، ومتابعةً. وأنَّى له معرفة كل ذلك الواجب وهو (ساهٍ.. لاهٍ..غائب!!) لا يعرفه إلاَّ تلك السّاعة: خيبة، وإخفاقاً، وارتكاب جريرة. دعوني أسأل سؤالاً يستحثّ الخطى ظهورًا يبحث عن إجابة، وأعني به: مِنْ أين حضرت تلك الجراءة التي دفعت بهذا الشّاب إلى المجاهرة بالرذيلة؟! وكيف استطاع (كسر) حاجز (الحياء)؛ فأبى إلاَّ أنْ يعرض سوءاته ومخازيه على الملأ بلا وزاغ من دين، أو رادع من حياء، أو زاجر من عرف، أو خجل من مجتمع؟! استطيع أن أقدم إجابة عن تلك الأسئلة ترضي هذا القلم -على الأقل- بلا تحفّظ، أو مداهنة تحتضنها أسطري المقبلة ... إن شاء الله...