أحد الأصدقاء بعث إليَّ برابط على اليوتيوب، مسبوقًا بعبارة: “آمال ماهر تتغنّى ب(احترامي للحرامي)، وكأنّها تتغنّى بقصيدة من عيون الشعر العربي..”. صديق آخر قال لي حين سمعها: “الأداء جيد... الموسيقى جميلة.. الكلمات لا تشكو من شهرة، ومن تعاطف جماهيري.. لكنْ ثمة خطأ ما..”. واقع الأغنية يقول إن الخطأ ليس في أيٍّ من عناصر الطبخة الغنائية، إذا أُخذ كل منها على حدة، بل في اختلاط تلك العناصر المتنافرة، ممّا أدّى إلى طعام ذي مذاق غريب (حتّى لا نقول “منفر”). ببساطة أكثر: الكلمات كُتبت في قالب تهكّمي ساخر، فيما الأداء مال إلى الجدية والتطريب.. الأمر أشبه (إذا أردنا أن نضخم الصورة لنفهمها) بأم كلثوم تتغنّى وتتمايل طربًا، بكلمات من نوع تلك التي كتبها بشار بن برد على لسان حمار: “سيدي مِلْ بعناني / نحو بابِ الأصبهاني / إن بالبابِ أتانًا / فضّلت كلّ أتانِ”.. .. هذه كلمات تحتاج إلى مؤدٍّ (ينهقها)، لا إلى مغنٍّ يهيم بها طربًا. الخطأ هنا (في حالة آمال ماهر) ليس مجرد مصادفة غير سارة، بل هو في صلب حالة التردّي التي تصيب الغناء العربي اليوم، والذي يبتعد فيه المغنون والملحنون (إلاَّ نادرًا) عن الشعر، ولا يتعاملون معه إلاَّ باعتباره تحصيل حاصل، متناسين (أو جاهلين) أن عبدالوهاب خرج من عباءة شوقي، وأم كلثوم تلقفها -بداية- كبار الشعراء، وعلى رأسهم رامي، وأن علاقتهما بالشعر لا تقل عن علاقتهما بالموسيقى والغناء، ونستطيع أن نلحظ ذلك مع بقية رموز الأغنية العربية الكبار (فيروز والرحابنة على سبيل المثال). الغناء العربي يقوم أساسًا على الكلمة، ومتى اختلّت تلك العلاقة، وأصبحت الكلمات (مجرد كلمات) فإن الأغنية ستصبح بلا روح، والمغنون بلغة مزيفة لا حقيقية حتى لو سكنوا في بروج مشيدة من الألحان الباهرة. لو كان الأمر غير ما هو عليه؛ لأدركت آمال ماهر ببديهتها الشعرية (قبل الغنائية والتسويقية) أن كلمات كهذه لا تصلح لها، ولأدائها الكلثومي، وأنها (أي الكلمات) تتطلّب لحنًا تهكميًّا، ومؤديًا ساخرًا أقرب إلى الممثل منه إلى المطرب. بالتأكيد هناك مَن لا يزال يعطي للكلمة قدرها، ويمت إليها بنسب رفيع، مثل الفنان الكبير أبوبكر سالم بلفقيه -أمد الله في عمره- لكنهم قلّة نادرة في زمن أصبح الخطأ فيه هو القاعدة، والصواب هو الاستثناء!!