كانت المغنية أمال ماهر تنشد في مهرجانات بيت الدين وكان المايسترو سليم سحاب يقود الاوركسترا، وكانت إحدى الفضائيات اللبنانية تعرض الحفلة في إحدى ليالي عيد الفطر. الحفلة هي آخر حفلة أحييت في المهرجانات الصيف المنصرم. أربع أغانٍ، بينها «الأطلال»، كانت مدرجة في البرنامج: تشكيل غنائي جميل أجاد سحاب وماهر في ترتيبه والاستعداد له امام جمهور عريض جداً، في حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وشخصيات سياسية رفيعة. ماهر من الأصوات العربية الجديدة التي يحسب لها حساب، شعبياً وانتاجياً واعلامياً. صوتها مكتمل، حساس، قوي، رقيق ذو المساحات الادائية الواسعة. أكثر من ذلك: تملك أمال ماهر قدرة واضحة على الارتجال (أين مني مجلس انت به - من «الأطلال»)، ولو في حدود قليلة نسبياً، لكنها موجودة وظاهرة وتمارسها ماهر بثقة، لكن بحذر، هو طبعاً حذر الفنان الذي يريد ان تبقى صورته نقية، وأداؤه نظيفاً، وحضوره مشرقاً. لكن، سيكون غريباً بل مستغرباً جداً ان يحمل اداء ماهر لأغنية «الأطلال» ذلك القدر من الأخطاء في الكلمات، كلمات القصيدة. بحيث يضيع احياناً المعنى الذي اراده الشاعر ابراهيم ناجي وأرادته المغنية أم كلثوم وأراده الملحن رياض السنباطي، ويحل مكانه معنى آخر غير معروف أو مفهوم. ويبدو أن أمال ماهر حفظت الأغنية من التسجيلات الصوتية المعروفة للسيدة أم كلثوم من دون الرجوع الى نص القصيدة مكتوباً، وهذا خطأ كبير، لأن ماهر «سمعت» بعض الكلمات بطريقة غير صحيحة، وتراءى لها انها صحيحة، فأنشدتها بهذه الطريقة الخاطئة. ولو أنها رجعت الى النص الأصلي، أو دققت أكثر في الكلمات لما ارتكبت تلك الأخطاء. بل ينبغي سؤال المايسترو سليم سحاب عنها خصوصاً أنه لم يظهر على وجهه خلال عرض الحفلة تلفزيونياً أنه انتبه اليها. والأغرب أنها مجموعة من الأخطاء وليست خطأ واحداً أو خطأين أو ثلاثة يمكن ان تمر من دون الإشارة اليها. ما هي تلك الأخطاء؟ في السطر الأول من البيت السادس من قصيدة «الأطلال»: «وبريق ٍ يظمأ الساري له، غيرت امال ماهر كلمة «يظمأ» فأصبحت «يطمع». وفي الشطر الثاني من البيت الحادي عشر «لم أبقيه وما أبقى عليّ» غيرت ماهر «لم» فأصبحت «لمن»، وبهذا تكون كسرت الوزن الشعري أيضاً. وفي الشطر الأول من البيت الثالث عشر «أين من عيني حبيبٌ ساحرٌ» غيرت ماهر «حبيبٌ» فأصبحت «حبيبي». وفي الشطر الثاني من البيت الرابع عشر «ظالم الحسن شهيّ الكبرياء» غيرت امال «الحسن» فأصبحت «الحضن». وفي الشطر الثاني من البيت الخامس عشر «ساهم الطرف كأحلام المساء» غيرت ماهر «ساهم» فأصبحت «ساهر». وفي الشطر الثاني من البيت السابع عشر «وفراش حائرٌ منك دنا» لفظت ماهر كلمة «فراشٌ» مسكّنة من دون تنوين «فراشْ»، وفي هذا كسر للوزن الشعري أيضاً. وفي الشطر الأول من البيت التاسع عشر «هل رأى الحب سكارى مثلنا « لفظت ماهر «سكارى» أكثر من مرة على شكل «سقارى» وحرف القاف ظاهر تماماً. اما في الشطر الأول من البيت الواحد والعشرين «وضحكنا ضحك طفلين معاً» فقد لفظت ماهر كلمتي «وضحكنا ضحك» بإبدال حرف الضاد بحرف الدال اي «ودحكنا دحك» وهذا اللفظ عامي مصري وليس عربياً فصيحاً.. كانت حفلة مهرجانات بيت الدين، هذا الصيف، بصوت الرائعة أمال ماهر، غاية في الجمال، والاتقان، والصناعة الغنائية الاحترافية المتميزة. كان صوتها مجلّوا ً كقمر مكتمل. وكان حضورها آسراً. فكيف مرت تلك الأخطاء عليها وعلى سليم سحاب من دون تصحيح. إذا كان قد سبق السيف العزل في تلك الحفلة، فمن الضروري بمكان ألا يسبق السيف العزل كل مرة، وفي كل حفلة مقبلة؟