كنت أجلس أمام شاشة التلفاز وكان الإعلامي تركي الدخيل يمارس مهاراته في الضغط على نقاط ضعف ضيوف برنامجه \"إضاءات\" في حلقة من حلقاته. جلست أمامه هذه المرة الصحفية المصرية\"بسنت رشاد\"، مؤلفة كتاب \"الحب والجنس في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم\". كثير من الحقائق اندلقت على لسان الكاتبة وهي تدافع عن نفسها بتناقض عجيب، أهم هذه الحقائق كون حبيبنا عليه الصلاة والسلام مستهدفا حتى من أبناء ملته، فقد كانت الكاتبة تنفي عنه عليه الصلاة والسلام القدسية، وهي تبرر تطاولها عليه صلى الله عليه وسلم، ثم تعود لتبرر ذلك التطاول بأنها تدافع عن تلك القداسة، فهي تنقل أقوال الآخرين فحسب، ليناقشها أهل العلم كما تزعم. لم يكن اختلاف العلماء والقراء مع بسنت حول مناقشة الجنس، لكن الخلاف هو حول طريقة تناول هذا الموضوع. فقد شرحت أدق تكنيكات الجنس كما تعبر الكاتبة، لتقدم الفائدة للقاريء العادي، وتعرّف الآخر بدقائق الحياة الحميمة التي تخفى على الآخر الأجنبي، وكأن تكنيك الجنس هو الذي سيحبب القارئ الأوروبي في شخصية الحبيب صلى الله عليه وسلم. ناسية ومتناسية أن الإنسان – في قدسيته أو في بشريته على السواء- لا يتواصل مع الآخرين عبر مهارات غرفة النوم إلا إن كان يعمل في مجالات الإعلام الإباحية. \"هبة قطب\"، مقدمة برنامج كلام كبير جدا، في إحدى قنوات المحور، و\"بسنت رشاد\"، مع اختلاف الدرجات، قضيتهما واحدة مع اختلاف المنظورات، فكلاهما انشغل بالحب والجنس، لكنه انشغال بأمور لا ينافسهما فيه إلا القنوات الإباحية المصورة، وإذا قارنا تأثير الصورة بالكلمة في أثر كل منهما على القارئ، فإن الصورة (في السينما الإباحية) تتضاءل وتتوارى أمام الكلمة ومهارات الخطاب الشفهي، فهي تقدم مشهدا محدودا يوقف طاقة التخيل والتصور ومساحتها، بينما الكلمة تفتح المجال على مساحات من التخيل والإثارة، التي إذا امتد الإنسان بفكره وجاراها سيصل لأدنى من مرتبة حيوان تحكمه غرائزه بلا حدود. وهذه الهيئة هي ما يتم تجسيد الممثلين في الأفلام الإباحية وفقها، فتخيلوا حين يتم إقحام الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الزخم من الفوران في تلك المنطقة الدنيا من حياة الإنسان. هذا النوع من التناول للثقافة الجنسية موضوع واسع جدا، ليس المجال لتناول تفرعاته، لكن ما نتفق عليه كمسلمين وأسوياء فطريا، هو أن الحديث حول دقائق العلاقات الجنسية أمر مثير للغرائز، مهما كان انتماء الشخص الذي يتناوله. مجلة علمية أو حتى اجتماعية متخصصة، عيادة، حوار ودي بين أصدقاء، أوضاع يقبلها المنطق لنقاش مثل هذه الأمور، فقد كان هذا مجال تناولها في السنة النبوية، الذي كان يوجه النساء إلى عائشة رضي الله عنها، وكان عليه الصلاة والسلام يتعامل مع الأمر بالكنية والإشارة كما هو منهج القرآن الكريم. هذا مع الأخذ في الاعتبار التحذير النبوي بهذا الشأن، وتأكيده عليه الصلاة والسلام على خصوصية العلاقة الزوجية، وعدم إفشاء أسرارها. وليس معنى هذا أننا نقول بهامشية هذا الموضوع في حياة الإنسان، لكنه أمر ليست شاشات التلفاز محل مناقشته والنبش فيه، وإلا تحول مراهقون يدمنون أفلام الإثارة الجنسية إلى مشاهدة برامج تزعم لنفسها العلمية والمنهجية والاحترام، فينحدرون الانحدار نفسه لكن باسم الثقافة والالتزام، وفي صالون البيت بدلا من زواياه المختبئة.