نشرت المدينة (12 يوليو) خبرًا عن نشوب خلاف بين عدد من الشبان وعسكري يحمل رتبة رائد في (أحد القطاعات العسكرية)، بسبب رغبة الشبان في ممارسة لعب كرة القدم في موقف للسيارات، مجاور لعمارة الرائد الذي يبدو أنه انزعج كثيرًا من ضوضاء هؤلاء، وما يسبّبونه من أذى للسيارات الواقفة في مكانها المخصص لها. الخلاف أسال دماء الرائد، واستدعى نقله إلى المستشفى الذي منحه 5 أيام للاستشفاء، وتم بالطبع إيقاف الشبان بصفتهم الطرف المعتدي. هذه صورة مكبرة للأزمات التي ابتكرناها بأنفسنا، عندما ابتدعنا حكاية (المنح) المطلقة بملايين الأمتار أحيانًا، دون أن تُخصص منها ما يلزم للخدمات العامة، سواء كانت تعليمية، أو صحية، أو اجتماعية، أو رياضية، وغيرها... طبعًا هذه البدعة لم يتصدَّ لها أحد؛ بحكم أنّها بدعة دنيوية، بل إن البعض أصّل لها حين أباح إحياء أراضٍ بملايين الأمتار، بمجرد زرع عدة شجيرات، وجلب عددٍ من الشهود (اللي ما شفوش حاجة). أعود إلى فئات من شبابنا اليوم محرومة من كل وسيلة ترفيه معقولة، ومقبولة، ومفيدة، فلا ملاعب يمكن أن تحتضن طاقاتهم الجسدية وميولهم الرياضية، ولا أسواق تسمح لهم بالدخول؛ كونهم سينقلبون إلى رجس يؤذي الفتيات، ويزعج العائلات. طبعًا السينما حرام، والمسرح فسوق، والسفر للقادرين فقط. وعليه فلا يبقى أمام هؤلاء إلاَّ التجمّع في استراحات بعيدة، قد تنقلب إلى أوكار فساد، أو خلايا نائمة، تموج بالأفكار التي تتحوّل في النهاية إلى أعمال هي الإرهاب بعينه. مشكلتنا أننا ننظر إلى قضية الملاعب العامة على أنها ترف لا داعي له، وهي ربما كانت كذلك إذا كنا نفتقر إلى موقع لمدرسة، أو مركز صحي، أو مرفق يخدم الجمهور، لكن النظرة البعيدة تطالبنا بشدة النظر بمزيد من العناية والاهتمام لهذه المرافق التي أحسبها ضرورية لتفريغ طاقات الشباب، ولتنمية أبدانهم، وصقل مواهبهم، ومساعدتهم على تنمية قدراتهم على التعاون والتحاور والإيثار، وكثير من فضائل الأخلاق غير المنظورة مباشرة. مساكين هؤلاء الشباب.. نسيناهم، وهم يأبون اليوم إلاَّ تذكيرنا بما أخطأنا في حقهم.