(في البداية، كنت أصارع بقوة للانتهاء من دراستي الثانوية والالتحاق بالجامعة، ثم كنت أصارع بقوة لأنتهي من دراستي الجامعية لأبدأ حياتي العملية، ثم كنت أصارع بقوة كي أتزوج وأنجب أطفالاً، ثم كنت أصارع بقوة من أجل أطفالي كي يكبروا ويستقلوا ولأعود للتفرغ للعمل، ثم تمنيت بقوة أن أصل إلى لحظة التقاعد، ثم تمنيت بقوة... ثم اكتشف فجأة أنني نسيت أن أعيش كما ينبغي..). هذه كلمات من صديق قديم وعجوز حكيم يبعثها إلى كل واحد منا في هذه الحياة المليئة بالتنافس على زخرفها المثقلة بهمومها التي لا تنتهي وطموحاتنا التي لا تُحد، ورغباتنا التي لا تهدأ، وآمالنا التي تمد لنا مداً. ويختم الكهل وصيته بقوله: (رجاء لا تدع هذا المسلسل يحدث لك. ثمّن يومك الذي تعيش فيه واستمتع بكل لحظة في الحياة!). ويضيف: (في سبيل جمع المال، نفقد الصحة. ولكي نستعيد صحتنا نفقد المال الذي جمعنا. نحن نعيش كأننا لن نموت، وعندما نموت نشعر كأننا لم نعش أبداً..). في الحياة محطات توقف وتأمل، تمر على كل منا اختياراً أو قسراً، تذكرنا بما مضى، لكنها للأسف الشديد تمر سريعاً، أو هكذا نريدها أن تمر سريعاً كأنها لحظة وخز بإبرة أو صفعة بكف أو لفحة من هجير. الإنسان بطبعه يعيش على أمل الحياة الأفضل وعلى قرع الغد الأحسن: أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ولذلك فهو لا ينظر إلى الخلف إلا قليلاً، ولا يستمتع بالحاضر إلا نادراً، عينه على غده طوال الوقت يبني جبالاً من الأحلام أحياناً، ومن السراب حيناً آخر، يظل يتابعه ويتابعه حتى تفنى ساعات عمره المحدودة، وما بلغ إلاّ قليلا من السراب الذي يفيض بالأحلام والآمال. اللهم أرزقنا القناعة بيومنا، والزهد في غدنا، واجعلنا ممن يقدر جمال الحياة حق قدرها، ويغني لها دائماً: (الحياة حلوة، بس نفهمها.. الحياة غنوة.. بس نسمعها).