التيسير، قاعدة فقهية أصولية تمتد لتشمل مختلف مجالات الحياة، وتعطيلها سبب مباشر في كثير من الأحيان، لجعل التشريع الإسلامي نظرية متعالية على الواقع، ومن ثم حصره في طقوس تعبدية ضيقة، وعزله عن مجالاته الواسعة بوصفه نظاما شموليا للحياة. وهي قاعدة تم تجاهلها كثيرا بفعل عوامل خارجية، أثرت على تطور الفكر الإسلامي الحديث، ولا زالت تؤثر عليه. ومن تلك العوامل، نتوقف عند عامل مهم هو ربط التشريع الإسلامي الواسع، ببيئة بعينها، وإقصاء البيئات الأخرى، مما ينتج الخلاف المتجذر بين المجتمعات المسلمة، ويبني علاقاتها على التناكر والتنابذ لا على التكامل. وقاعدة التيسير بهذا المعنى تم إبدالها بقواعد أخرى من التشديد والاحتياط، وبذلك تم قلب الأصل ليحل محله الفرع، فالأصل في الدين التيسير، قال تعالى مخاطبا نبيه الكريم: \"خذ العفو وأمر بالعرف\"، وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يعتمد قاعدة اليسر في الاختيار بين الأمور معيارا للتفكير والتخطيط، فما يعرض عليه أمران إلا يختار أيسرهما، وجعل اليسر علامة ودليلا على الحكم الصحيح، فإذا اختلطت الأمور فالأيسر هو الأقرب للفطرة ولسنن الكون وصلاح الأمور. وينشأ عن هذا التعطيل للتيسير ذلك الخلط والارتباك في أذهان الناس أمام حدود ومعايير العقيدة الصحيحة، وتمييع صورتها، والمتابع للفقرات الدينية وبرامج الفتوى، يعجب من أسئلة الناس واستفهاماتهم، التي تمثل تسطيحا عظيما للعقيدة والشريعة معا، فنجدهم يتوقفون عند تفاصيل لا حجم لها رابطين بينها وبين العقيدة السليمة، فتتحول قضايا صبغ الشعر وتجميل الحواجب إلى كليات يضطر العلماء لأن يقفوا عندها بالشرح والتفصيل، وتلك الأسئلة تخالف قاعدة فقهية عظيمة، نهي وفقها المسلمون عن الإفراط في السؤال والتفاصيل،\"لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم\"، وكأننا بمثل تلك الأسئلة نسترجع قصة بني إسرائيل مع البقرة التي أمروا بذبحها، وأسئلتهم السطحية عنها، لونها وسنها وحجمها. نحن نأمل أن يتنبه أهل الذكر من علمائنا الأفاضل لهذه المنعطفات الخطرة. لاسيما وأن برامجنا الدينية هي مرجع الغالبية من مسلمي العالم، الذين يضعون ثقتهم في علماء هذه البلاد، فليس من الحكمة في هذا العصر الذي يقف فيه ديننا على المحك، تحت ضغط الصورة الشائهة التي يتم ترسيخها عنه من قبل الأعداء والمغرضين، أن نستمر في مجاراة العوام في اعتقاداتهم الخاطئة، فعلينا تنبيه الناس إلى المفاصل العظيمة في أزمات الأمة، ودور المسلم الجاد في هذه الأزمات. علينا أن نتذكر أن مليارات من المسلمين يبحثون عن أصول عقيدتهم وكلياتها، يتابعون برامجنا بكل لهفة، وأننا بحاجة إلى أن نبحث عن مواطن الاتفاق لا الاختلاف، الكليات لا الجزئيات التي لا تحدث فرقا، ولا أعني نبذ تفاصيل فقهنا الرصين والمؤصل بجهد أجيال من أفذاذ العقول، بل أقول لنستفيد من وقت الإعلام وطاقاته للأمور المفصلية، ولنرجع في الشؤون الفرعية الصغيرة للكتب والمواقع الموثقة بكل الآراء والمذاهب.