إنني لا أسخر ولا أستهزأ بأحد في هذه المقالة، بل هي الحقيقة! وقبل الحكم السريع على المقال الذي اعتاد جل قرائنا العرب التعامل به من العنوان، والنظر في أول السطور، أبيّن هذا المفهوم المهم. هناك فرق بين الأسوة والقدوة. فالأسوة هو الذي تتأسى به في الظاهر والباطن، وفي كل قول وعمل، وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم. يقول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا). بينما القدوات تتوزع : فالنبي صلى الله عليه وسلم أُمر أن يقتدي بهدي الأنبياء الذين عرض الله تعالى أسماءهم، كما في سورة الأنعام: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ). وكلنا يعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له طريقته في بعض طرق الدعوة، لم يقتد بها تمامًا مثل ما طبّقها الأنبياء، فهو لم يبادر كأخيه إبراهيم بهدم الأصنام ابتداءً، إنما ترك صحبه الذين كانوا يعبدونها يهدمونها بأنفسهم يوم الفتح، يوم هدم أصنام كل شيء كانت تعوقهم عن الله. فالقدوات تتوزع إذًا! فهناك من تقتدي به في العلم، وآخر في السلوك، وثالث في التنظيم والإدارة، ورابع في الخُلق وجميل الصفات، وقد يجتمع عند أحدهم جملة مستكثرة ممّا تقتدي به. فبينما أنت تطلع في الصحف على بعض الأخبار ترى مقابلة مع مغنٍ أو مغنية في أول عمرهم يقولون: نسافر في الأسبوع مرتين حول العالم، نحيي مهرجانات! وتنظر في بعض المنتديات فتسمع عن مغنٍ سيحيي حفلة في أوروبا، وثانية في المغرب العربي، وثالثة في مشرقه، ورابعة في بلاده، كل ذلك في غضون شهر، وهو أمر اعتاد عليه وأمثاله! بينما قد لا تجد مَن يصاحبك إلى إفريقيا، أو حتى شرق آسيا للدعوة والتعلّم، ونشر الخير إلاَّ قليلاً، ولربما يعتذر أحدهم عن المشاركات الخيرية والدعوية المحلية بحجة الانشغال! فبالله يا ترى أيّهم القدوة في البذل -بغض النظر عن غايات أصحابها- مَن عُرف بالفضل المتقاعس، أم صاحب الهمّة الجاد العامل، ولو كان مغنيًا؟! إذا كانت غايتنا الهمّة والجهد والتضحية، فلا شك أنه المغني! ومثل ذلك احترام الوقت. فقد تجد رجلاً غربيًّا طبيبًا، أو مهندسًا، أو معلّمًا يسهر كما يسهر الناس، ويلهو كما يلهون، ويدين بما لا يدينون، ومع ذلك يأتي في أول الدوام بلا تخلّف، وينجز العمل بلا خرم. فبالله عليكم أيُّهما القدوة: إنسان طيّب يتأخّر عن عمله، ويسوِّف في إنجازه، أم ذلك الرجل الأجنبي؟! أما قلت لكم إن القدوات تتجزأ، ولكن أكثرنا لا يعلمون، وبغير الروّاد يقتدون في أمور الدّين والدنيا على حدٍ سواء!!