في هذا الأسبوع تحدث أحد رؤساء تحرير صحيفة محلية بكلام مهم، فيه اعتراف عن القصور والتجاوز الذي في صحيفته، كما أدلى بشجاعة وبروح رياضية عن تقبل النقد الذي وصل إليها. قرأت هذا المقال ذا الاعتراف في موقع الصحيفة، ومن ثمَّ قرأتُ عشرات التعليقات والردود، فإذا بها كلها تثني وتمجد مسيرة رئيس التحرير والجريدة التي يرأسها، ولم أجد اعتراضًا واحدًا، أو شبه اعتراض!!، وأكرر مرة أخرى ولا اعتراضًا واحدًا من قريب أو بعيد على الصحيفة، أو رئيس تحريرها!! ساورني الشك، ولعب (الفار في عبّي)، فجرّبتُ أن أكتب تعليقًا على موقع الجريدة بشكل مقنع، وتعبير عفوي غير جارح، فلم أجد أي نسمة، ولا غبار عن تعليقي! ثم جرّبت أن أكيل المديح، والتزمير، والتطبيل، والتصفيق، فظهر التعليق مبتسمًًا، وآخر حلاوة!! عجيب أمر هذه الصحيفة! أيظنون أن القارئ وصل إلى مستوى السذاجة، بحيث يمرر على عقول القرّاء والمسؤولين والمهتمين أن الصورة التي يجب أن يشاهدوها هي كل ما يرضي رجل الكرسي؟! ألا يظن هؤلاء -لو كان عندهم مسحة موضوعية- أن وضع تعليقات بعض المعترضين، وحذف الأكثر أمر في صالحهم؛ لمجرد ذر الرماد في العيون؟! أوَيُعقل أن يصل الأمر بصحيفة كبرى أن تتلاعب بالحقائق، وتساوم على طنطنة مَن يمجّدها ويقدّسها؟! أوَيعقل أن يكون ما تدعو إليه من مساحة حرة إنّما هي متقوقعة على حساب الكلام في الدِّين، ونصوص الشرع، والعلماء والوجهاء، ولكن رئيس التحرير لا يجوز أن تمس له شعرة؟! يذكّرني هذا الأسلوب البائس بالشركات العالمية الكبرى التي تدّعي الحيادية والحرية وهي منها براء! فشركة (جنرال إلكتريك) مثلاً تمتلك (إن بي سي) التلفزيونية الشهيرة، ومعلوم أن تلك الشركة تقوم بالإضافة إلى صنع الأدوات الكهربائية والإلكترونية بتصنيع الصواعق النووية، وغيرها من المعدات الحربية. وبالتالي فإن تلفزيون (إن بي سي) لن يتحدث لا من قريب، ولا من بعيد عن خطورة الأسلحة النووية، ولا عن ضرورة التخلّص منها! ولو انتقلت للصحافة لوجدت أنه من المستحيل أن تجد كاتبًا في (الديلي تلغراف) ينتقل للكتابة في (الغاردين) اليسارية، التي تتعارض مع (التايمز) مائة وثمانين درجة! وصاحبنا يقول صحيفة حرة، وكتابات منفتحة قال! ودائمًا ما نسمع أن الإسلاميين وجماعاتهم لا تقبل النقد، وإذ بنا نرى الحال من بعضه! يظهر أن عدوى المثل الصيني وصلت لنا، وفيه: «مَن مَلك صحيفة مًلك حزبًا». ومع أن الأحزاب ممنوعة، لكن وسائلها اليوم باتت مشروعة!!!