من السمات الرئيسة للمجتمع السوي أن يخضع للتقسيم العلمي المعروف الذي يتكون من ثلاث طبقات إحداها الطبقة الغنية جداً وهي تمثل الرُّبع من أفراد المجتمع تقريباً ثم تليها الطبقة الوسطى والتي تمثل نصف أفراد المجتمع تقريباً ثم تليها الطبقة الأخيرة وهي الطبقة الفقيرة جداً والتي تمثل الربع الأخير من المجتمع وهذا ما تؤكده الآية الكريمة في سورة الزخرف (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً) وكذلك الآية الكريمة في صورة الأنعام (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم). وبما أن الطبقة الوسطى تعد الأكثر عدداً فإنها تعد الطبقة الكادحة الكبرى التي يقوم على أكتافها الحراك التنموي وهي التي تمثل شريحة التوازن بين الطبقتين الأخريين فمنها وإليها يعود ذلك الحراك حيث نراها الأهم والأكثر أثراً ومن هذا المنطلق فإن وجود أي مجتمع بهذا التقسيم العلمي يدفعه إلى المزيد من العطاء والمزيد من الارتقاء. وبالعودة إلى مجتمعنا السعودي تحديداً نجد أن هنالك خللاً بيناً قد طرأ على ذلك التقسيم وأدى إلى تخلخل الأداء واضطراب الكثير من العمليات الاجتماعية والاقتصادية والإدارية ويبدو أن هذا الخلل قد نشأ وتنامى لوجود بعض العوامل التي أدت إلى ذلك لعل أبرزها تنامي حالة الفساد الإداري والمالي الذي أدى إلى وجود بعض الممارسات غير المحمودة من قبل البعض كعمليات استغلال السلطة لتحقيق مآرب شخصية على حساب المصلحة العامة وكنشوء بعض الممارسات الاقتصادية التي لا تستند إلى نظام ولا تقوم على قاعدة إدارية رسمية كعمليات المساهمات الوهمية التي نشأت وتنامت دون حسيب أو رقيب وذهب ضحيتها الكثير من أفراد المجتمع المنتمين إلى الطبقة الوسطى بالإضافة إلى قضية الاسهم التي ذهب ضحيتها أيضاً الكثير جداً من أفراد هذه الطبقة ثم تلا ذلك بعض قضايا الفساد الإداري والمالي التي قذفت بالكثير إلى عالم المجهول وبالتأكيد أن كل تلك القضايا مجتمعة أدت إلى انتقال شريحة كبرى من تلك الطبقة إلى طبقة الأغنياء جداً وانتقال شريحة كبرى أخرى من تلك الطبقة أيضاً إلى طبقة الفقراء وهذا الأمر أدى إلى نشوء ذلك الخلل الاجتماعي الكبير الذي ستظهر نتائجه السلبية على الحراك التنموي وقد بدأت مؤشرات ذلك الخلل تبدو واضحة للعيان. ولعل من أبرز تلك المؤشرات تنامي حالة الفقر بين أفراد المجتمع ورضوخ البعض منهم تحت مظلة ذلك الجاثوم الكبير وهو الذي لم يتعود عليه ولم يتأقلم مع آثاره وهذا بالتأكيد أدى إلى تنامي الكثير من السلوكات المنحرفة الأخلاقية منها والاجتماعية والإدارية بالإضافة إلى تنامي حالات الأمراض النفسية التي تؤكدها الإحصاءات بالإضافة إلى تنامي حالات الفساد الإداري والمالي في محاولة من البعض للخروج من تلك الحالة الجديدة التي لم يتعودها. ولعل المستقبل القريب يكشف لنا الكثير من تلك السلوكات التي نتوقع حدوثها وتناميها كحالات العنف الأسري والمدرسي والاجتماعي بصورته العامة وإذا لم تفطن الجهات المسؤولة لهذه الحالة وتسعى لإيجاد الحلول الناجعة لها والتي تنطلق من ركائز علمية يقوم عليها أفراد متخصصون فإن الأمر بالتأكيد سيتنامى وسنجني ذلك أثراً سلبياً على مجتمعنا وعلى حراكنا التنموي. فحالات الفقر المدقع الذي يقبع تحت خيمته الكثير من أفراد المجتمع وحالات الغنى الفاحش التي يعيشها البعض والتي تحولت حالته إلى سباق ماراثوني لا نهاية له في ضوء تقلص كبير لشريحة الطبقة الوسطى سيفرز لنا الكثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية مما يستوجب التوقف كثيراً لدراسة هذا الوضع القائم وإعادة الأمور إلى نصابها الاجتماعي السوي. وقفة تواصل: لكل من تواصل معي عبر موقع الجريدة الإلكتروني أو عبر بريدي الإلكتروني أو عبر هاتفي أو عبر المنتديات أتقدم بشكري وتقديري على ذلك التواصل الكريم وسوف يكون بدءاً من هذا اليوم لي وقفة تواصل ومن هذا المنبر أشكر الأستاذ عبدالله آل طاوي والنقيب نائف أبو شاهر والأستاذ عبدالرحيم والأستاذ الساخر والدكتورة جواهر والأستاذ محمد العمري والدكتورة ندى والأستاذ أبو فيصل لتواصلهم الدائم مع كتاباتي وكل من تواصل معي في المقالات السابقة.