كلنا نحب الوطن , نحن فداء للوطن , وطنا يا غالي , شعارات جميلة نرددها كثيرا , وتقوم المؤسسات التربوية والتعليمية بتفعيلها أثناء اليوم الوطني , حيث تبدأ هذه الاحتفالات في أغلب الأحوال بعرض للأزياء القديمة , ولك أن تندهش من الأخطاء سواء في لبس الزي أو خلطه بآخر يخص جهة أخرى , أما المأكولات الشعبية التي تقوم الطالبات بتقديمها للحضور فأغلبها مجهول الهوية بالنسبة لهن ,ويقعن في حيرة عندما يسألن عنها , ويتخلل ذلك إلقاء لقصائد نبطية تلقيها الطالبات , وقد يتحول الشعر فيها إلى أبيات مكسورة تلحقها أخرى مستعينة بعكاز اللحن المتشابه فقط في آخرها . ولا تفوت إدارة المدرسة الفرصة لتكرم المتفوقات , وتهنئ المتميزات , وتحذر المخالفات , ثم ينتهي الحفل بنشيد وطني حماسي تشارك فيه الطالبات بالتصفيق الشديد والرقص أحيانا , بينما تلاحقهن عصا المراقبة تارة وتتجاهلهن تارة أخرى . ثم يطرح سؤال نفسه , بل ويستلقي في طريقنا علنا نراه , ماذا استفاد الوطن من هذا الاحتفال ؟ والمفروض أن الهدف الأساسي من احتفالات اليوم الوطني هو خلق الانتماء للوطن بكل جزء فيه , وزرع حبه في قلوب بناتنا وأبنائنا , بالإضافة إلى غرس القيم التي تجعل الانتماء للوطن سلوك يومي يتخذه الطالب في جميع تصرفاته , لأن الحرص على نظافة المدارس والجدران , وسلامة المرفقات , واحترام الآخرين , والقيادة المرورية الصحيحة , والابتعاد عن المخدرات وغير ذلك من المظاهر الحضارية ما هي إلا صور حقيقية لهذا الحب . ولا يرصد هذا الحب إلا من خلال هذه المواقف , ولكني أخشى أن تكون هذه الأهداف قد ضلت الطريق ! ولكن ما استوقفني في هذه الاحتفالات إضافة إلى أنها تفتقد الكثير من التنسيق , أن سمة المناطقية تغلب عليها , وأقصد بذلك أن الفعاليات لا تحرص على أن يتعرف الطالب أو الطالبة على بقية مناطق المملكة وما تمتاز به كل منطقة , بل ينحصر التفعيل في أمور تخص المنطقة نفسها , فإذا سمعت الطالبة عن مناطق أخرى مرت أمامها وكأنها دول مجاورة ! ومما يستدعي الخجل ليقف على حالنا ؛ أننا نعيش عصر العولمة والانفتاح على العالم , بحيث أصبحنا نفتح أفواهنا دهشة بسبب الكم المعرفي الذي يختزنه أبناؤنا بواسطة الانترنت و وسائل الإعلام المختلفة , وهنا تعود الأسئلة لتتزاحم أمامنا علنا نراها ونحاول الإجابة عنها : هل تعرف طالباتنا جميع أجزاء الوطن الحبيب . وما يتميز به كل جزء ؟ هل تشعر طالباتنا بالانتماء الحقيقي ( ليس التصفيق والرقص ) إلى كل بقعة من هذا الوطن ؟ هل زرعت هذه الاحتفالات في قلوبهن المناطقية , بدلا من الشمولية في حبه والتضحية من أجله ؟ اعتقد أن موقفا رأيته بعيني في أحد المراكز التجارية في جدة يتضمن إجابة كافية لهذه التساؤلات , بل ويدق جرس الخطر لمن يهمهم أن يخلقوا جيلاً يستحق أن يكون مواطنا بكل معاني الكلمة السامية . .. . أثناء لعب الأطفال في إحدى صالات التزلج , وأثناء استراحة اثنين منهم ( من تلاميذ المرحلة الابتدائية )على سياج الصالة , دار بينهم الحوار التالي : الأول : يا أخي اليوم زحمة . الثاني : إيه والله . الأول : أول مرة تجي ؟ الثاني : لا , جيت الصيف اللي راح . الأول : إنته من فين ؟ الثاني : ( ذكر إحدى مناطق المملكة الأقل شهرة بالنسبة لجدة والرياض ) الأول : فين هذي ؟ في السعودية ؟ !!