مرة أخرى هذه إشكالية لا بد من تجليتها من قِبل الجهات القضائية في بلادنا؛ لتكون مقياسًا عامًّا لمثيلاتها. إنها إشكالية الاستعانة بالتقنية لإثبات تعاطي الفرد للمسكرات أو المخدرات خاصة عندما يكون في موقع الولي الذي يشكل خطرًا جسمانيًّا أو معنويًّا على حياة أولئك الواقعين تحت ولايته من زوجة أو أطفال أو إخوة وأخوات. وفي خبر نُشر قبل أسابيع قليلة أصدر قاضٍ في الدمام حكمًا بفسخ عقد نكاح، بعد تقدّم الزوجة بطلب لفسخ العقد بسبب إدمان زوجها لشرب المسكر. ويُقال إن القاضي قد استند في حكمه إلى شهادة شخصين شاهدا الزوج في حالة غير طبيعية، إضافة إلى غياب المدّعى عليه (الزوج) طوال فترة المرافعات التي استمرت عامًا كاملاً، برغم توقيعه بالعلم بمواعيدها. بداية يُشكر فضيلة القاضي على إصداره الحكم غيابيًّا على المدّعى عليه، فكم من حالات مماثلة انتظرت الدهر كله دون أمل؟ وكم من حالات مماثلة عانت الأمرّين ثم حُكم لها بالفسخ شريطة المخالعة، مقابل أموال قد تكون طائلة، تعجز عن سدادها المرأة؛ ليعلن الزوج انتصاره، ويحتفي بكسر (خشمها)، وتمريغ وجهها؟ الإشكالية هنا عن مدى موثوقية الشاهدين، مقابل موثوقية التحليل الطبي لدم المدّعى عليه، بافتراض أنه كان موجودًا، ويشهد الجلسات جميعًا، لكنه ينكر في كل مرة تعاطيه المسكر، وربما أقسم على ذلك كاذبًا! والإشكالية الأكبر تكمن في حالة الافتقار لأي شهود يؤكدون رؤية المدّعى عليه في (حالة غير طبيعية) مع كل ما يعنيه هذا الوصف من احتمالات مختلفة قد لا يكون منها بالضرورة تعاطيه المسكر تحديدًا! هل ثمة توجه جديد (في ظل ثورة الإصلاح التي يشهدها قضاؤنا المبجل) لاعتماد وسائل التقنية الموثوقة كليًّا لتكون الدليل الساطع والقول الفاصل!! التقنية اليوم باتت في صلب كل تطور علمي أو تقني أو تنظيمي.. لم تعد ترفًا يمكن الاستغناء عنه، ولا خيارًا غير ملزم يُستخدم حينًا ويُغفل حينًا آخر، مع الإقرار بأن استخدامها في القضاء يحتاج إلى تقنين وتنظيم وإلزام والتزام، وإلاّ عشنا فوضى من التناقضات والتضاربات. التقنية خير لا بد منه!!