* لم يستطع لبنان التقاط أنفاسه ولم يتمكن من إعادة الإعمار وبناء المؤسسات ومشاريع البنية التحتية التي دمرتها حرب أهلية استمرت ما يقارب الخمسة عشر عاماً، حتى بدأت نذر حرب جديدة قد تجر هذا البلد الصغير في حجمه والكبير في أدواره إلى متاهات قد تقضي على وجوده ومستقبله ودوره الحضاري والسياسي الفاعل في المنطقة. الخلافات الطائفية والحزبية التي تصاعدت ولم تجد القرار القوي باسكاتها وصلت ذروتها عام 75لتعلن انزلاق لبنان في حرب أهلية، شاملة ظلت تغذيها أطراف لا تريد مصلحة لبنان، بل استغلت اسرائيل الفرصة لاحتلال جنوب هذا البلد عام 82ودعمت ما يسمى جيش لبنان الجنوبي العميل الذي تبنت إعداده وتقويته للمساهمة في تغذية هذه الحرب وتدمير لبنان من الداخل. وإذا نظرنا إلى هذه الحرب التي أتت على المنشآت والمؤسسات ودمرت الاقتصاد نرى ان الذي اشعل شرارتها طوائف غير مسؤولة وفئات محدودة وجدت الدعم من قبل جهات وشخصيات لا تريد مصلحة هذا البلد حتى تحولت إلى حرب شاملة شاركت فيها كل الأطراف السياسية بمن فيها الشخصيات الوطنية المتعقلة التي حاولت إنهاء النزاع والخلافات في مهدها، لكنها وجدت نفسها في المعمعة ودخلت مجبرة كأطراف أخرى في النزاعات الطائفية التي طالت كافة فئات الشعب اللبناني بحكم انتماءاته ومطالبه واحتياجاته التي لم تلبّها أو توفرها تلك الأحزاب أو الطوائف التي ينتمي إليها ويقف خلفها مؤيداً ومسانداً، بل على العكس من ذلك حيث لم يجد الأمن على نفسه وعائلته خلال الحرب ولم يجد المأوى والمستوى المعيشي الذي كان يحلم به بعد الحرب. وإذا كنا نتمنى على اللبنانيين التعقل والتحاور لحل الخلافات الحالية المتمثلة في مسألة وجود الجيش السوري، فلأن وجوده يجب ألا يمثل اشكالية خاصة وان أسبابه معروفة وواضحة وتمت بموافقة العقلاء من اللبنانيين الذين لازالوا يصرون على بقائه مسانداً في مواجهة أي أطماع أوعدوانية من قبل (اسرائيل) التي انسحبت مجبرة من جنوب لبنان والتي لازالت تفكر في عدوان جديد حسب تصريحات رئيس وزرائها ارييل شارون الذي هدد مؤخراً بضرب وتعطيل صواريخ (حزب الله) وهو المعروف بشناعة جرائمه عند غزوه للبنان. وفي خضم هذه الموجة من الخلافات يقلل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري من أهمية ومخاطر التوترات الطائفية ليعطينا أملاً في استقرار لبناني يجب توجيهه نحو بناء الاقتصاد الذي بدأ يتحسن ومواصلة الإعمار الذي قطع شوطاً جيداً حيث يؤكد الحريري ان الحكومة حريصة على إنهاء المشكلة وانها بدأت حواراً مع الأطراف وان رئيس الجمهورية اميل لحود سيناقش قضايا الخلاف مع كافة الأطراف التي لا تريد الحرب والعودة إلى الماضي حسب قوله وانه في موازاة ذلك منعت الحكومة المظاهرات التي تزيد من التوترات، وانها تدرس حالياً اصدار قانون لمكافحة تحريك المشاعر الطائفية، التي يعتبرها جريمة يعاقب عليها. وهذا في نظرنا تحرك عملي في مواجهة أي محاولات لزعزعة الاستقرار وتوتير الأوضاع في لبنان في الوقت الذي تعمل فيه الأمة العربية على التقارب والتعاون في مواجهة الأخطار الإسرائيلية المتعاظمة.