إلى متى يظلُّ تسلُّط بعض الآباء والأمهات، وبعض العائلات على أولادهم في مسألة الزواج؟ سؤال يطرح نفسه بقوةٍ أمام قصص عجيبة (واقعية) تعرض المعاناة الكبرى في هذا الموضوع. شابٌ اختار فتاةً من أسرةٍ طيبةٍ من مدينةٍ غير مدينته، وقبيلةٍ غير قبيلته، وقد ارتضى خلقها ودينها، وأسلوب حياتها، كما ارتضت هي وأهلها خلقه ودينه وأسلوب حياته، اصطدم بأمه وإخوته بصورةٍ عنيفةٍ ما كان يتوقعها، ولم يجد أحداً من أهله يقف معه إلا أخاه الذي يكبره في السن ببضع سنوات، وظلَّ وما يزال يعاني من تعنت الأهل على الرغم من معرفتهم التامة بصلاح تلك الفتاة وأسرتها، يقول هذا الشاب: على الرغم من أنني أصبحت رجلاً كامل الرجولة عاقلاً قادراً بفضل الله على تمييز الأمور، موظفاً قادراً على القيام بأعباء الحياة المادية والمعنوية، إلا أنني ما أزال في ميزان أمي وأخوتي صغيراً ضعيفاً عاجزاً عن تقدير مصلحتي، ومع أنني قادرٌ على أن أفعل ما أريد، إلا أنني متوقف لحرصي على إرضاء أمي وعدم إحداث شرخ في أسرتي، ولست وحدي في هذا الأمر، فأنا أعرف من معاناة أمثالي من الشباب مع أسرهم ما يؤلم ويؤكد أنَّ هنالك قنابل اجتماعية موقوتة، قد تفجر علاقات الأسرة الواحدة في أيِّ لحظةٍ إذا لم يراجع أولئك الأهل المتعصبون، المتسلطون على أولادهم أنفسهم، وقد حدث ذلك في بعض الأسر التي أعرفها، فمتى تعالج مثل هذه القضايا الاجتماعية المسكوت عنها؟ هذا حديث شاب عاقل اطّلعت على قصته عن قرب، وهذه معاناة أمثاله من الشباب مع أسرهم، فما بالكم بمعاناة الفتيات اللاتي يواجهن تسلطا وتعنتا لا يستطعن معه أن يصلن إلى ما يتقن إليه من الحياة المستقرة مع من تميل إليه نفوسهن من الشباب الطيبين الصالحين. إنَّ موقف شرعنا الإسلامي الحكيم من هذه القضايا واضحٌ لا لبس فيه، وهو الموقف الصحيح الذي تقوم عليه وبه المجتمعات المستقرة القوية، موقف يقوم على قواعد صحيحة لا يفرط فيها إلا مكابر متجاوز للحد، (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، الا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) (والمرأة تستأذن في زواجها، وإذن البكر سكوتها، والثيّب تعبّر عن رأيها)، وإذا كان لا يجوز شرعاً أن يجبر الوليُّ ابنته أو أخته أو من هو وليُّ عليها من أقاربه على الزواج بمن لا تريد، فكيف بالأبناء؟ إن كثيراً من أولياء الأمور يتجاوزون حدود شرع الله في هذه المسألة، ويصبحون سبباً في جلب التعاسة لأولادهم على الرغم من توهمهم أنهم يفعلون ذلك للمصلحة. من حق وليِّ الأمر أن يعترض على زواج ابنه من فتاة غير صالحة، وزواج ابنته من رجل غير صالح، وأن يبذل جهده في صرف ابنه أو ابنته عن هذا الزواج بما يستطيع من وسائل الإقناع، أو الضغط بماله من مقام الولاية ما دام الأمر في صالح الابن أو البنت، ولن يجد هذا الوليُّ في هذه الحالة إلا التأييد من الناس، والتوفيق من الله. أما ان يقف في وجه ابنه أو بنته تعنّتاً وتسلطاً وتعصباً، فهذا ما لا يجوز له شرعاً، وما ليس فيه خير لأسرته ولا لأولاده، أيها الأهل المتسلطون على أولادكم، راجعوا أنفسكم، وعودوا إلى الحق، ولا تتركوا شرع الله في هذه المسألة المهمة، فإنَّ عواقب ترك شرع الله وخيمة في الدنيا وفي الآخرة. إشارة: إذا فقد الإنسان صدق انتمائه=وأضحى بلا قلب فليس بإنسان