دخول المرأة سوق العمل لم يعد خيارا يمكن استبعاده بل إنه أصبح واقعا يستوجب التعامل معه بموضوعية طالما أن ولى الأمر وجه بالتوسع في إفساح المجال في توفير فرص العمل لها. تلقيت عدداً من المكالمات والتعليقات حول مقالة نشرت في العدد (16755) بتاريخ 11/3/1430ه تحت عنوان: «المرأة تنافس الرجل في ميدان العمل» التي تناولت فيها توجيه خادم الحرمين الشريفين بفسح مجال أوسع لمشاركة المرأة في سوق العمل في المكان وبالشكل الذي يليق بها ولا يخالف العادات والتقاليد. وحيث إن معظم المداخلات أتت من رجال أفاضل اعتز بصداقتهم واحترم آراءهم واعتبر تعليقاتهم إضافة ايجابية للآراء التي أوردتها في مقالي: «المرأة ومنافسة الرجل في سوق العمل» حيث كان التركيز على أن لدينا أعداداً كثيرة من الشباب لم يتمكنوا من الحصول على وظائف، وان تكثيف توظيف المرأة سيزيد من صعوبة حصولهم على فرص عمل يمنحهم الاستقرار ويساعدهم على الزواج وتكوين أسرة كما هو طموح كل شاب في هذا الوطن. ومن جانب المرأة فيرى البعض أن خروجها من البيت إلى سوق العمل يعرضها لمشاكل التحرش، والإغواء، والابتزاز، من قبل ضعاف النفوس الذين لا يتقون الله في أنفسهم ومحارمهم. هذه تعليقات محقة وعلينا كمجتمع أن نحترم كل غيور على صون المرأة والتركيز على الابتعاد عن الشبهات ومواقعها. وعلى سبيل المثال لا الحصر يلاحظ البعض أن بعض النساء يذهبن إلى العمل وكأنهن ذاهبات إلى سهرة عائلية بكل ما يترتب على ذلك من اللبس والتزين. والبعض يلتزم بتعاليم الشريعة والاحتشام ويلبس في حدود اللياقة واحترام النفس ومشاعر الآخرين. وفي الجانب الآخر يمكن أن يقال بأن من له ميولاً معينة يمكن أن يحقق رغباته بغض النظر عن مكان تواجده سواء كان في البيت أو العمل، بل العكس أن الفراغ والملل والإحباط وضيق الحال المادي يمكن أن يوفر فرصاً بعيدةً عن المراقبة وأنظار الناس، ولكن الانشغال، والاستقلال المادي، ووجود الضوابط في مكان العمل، يحد من الانجراف. ثم أن التعليم والتربية الصحيحة قبل سن المراهقة والتوجيه السديد اثناء مرحلة المراهقة من قبل الأم والأب تعد اكبر حصانة للشاب والشابة عند خروجهم لسوق العمل. وفيما يخص التنافس على الوظائف فقد فاتني أن اذكر أن لدينا في المملكة ما يزيد على ستة ملايين وافد يعملون في مختلف القطاعات والتخصصات، في القطاعين العام والخاص، والإحصائيات المتداولة تدل أن لدينا أعدادا كبيرة من الشباب العاطلين عن العمل، ولكننا بحاجة ماسة إلى أرقام دقيقة تصدر من جهات رسمية شهريا تعكس الواقع لعدد الوظائف التي تم إشغالها، وعدد العاطلين عن العمل، وعدد الوظائف التي استجدت نتيجة لنمو الاقتصاد، حتى يكون الحوار حول هذا الموضوع مبنياً على حقائق وأرقام، وليس على تخمينات وإشاعات وكلام مجالس يتردد هنا وهناك، لحالات قد تكون فردية، ولا تعكس الواقع. ولنفترض أن لدينا مئة ألف عاطل وعاطلة عن العمل...وهذا رقم قد يكون مبالغاً فيه... أليس من الممكن البحث عن وسيلة للتخلص من 2% من العمالة الوافدة من اجل خلق وظائف لهم؟ هذا مطلب يمكن تحقيقه بالتعاون الجاد بين وزارة العمل، والقطاع الخاص، وخاصة الشركات الكبيرة. واحسب أن الوزارة تبذل جهوداً حثيثة في هذا الاتجاه، والمطلوب من القطاع الخاص التعاون قبل أن تصبح مشكلة البطالة عصية على الحلول المتوفرة حاليا. ولو توفر ذلك لما شكل فسح المجال لدخول المرأة ميدان العمل إشكالية لدينا. وفيما يخص الانضباط فان توفير مكان العمل اللائق لتتمكن المرأة من أداء عملها بحرية وبدون إفساح أي مجال للمضايقات كفيل بالحد من إمكانية حصول تجاوزات من قبل الطرفين. كما أن علينا أن نعترف بان الأعداد الكبيرة من بناتنا واخواتنا اللواتي أتيحت لهن فرص التعليم بشكل غير محدود في شتى المجالات، من غير الممكن وضع الحواجز التي تحد من مشاركتهن في الحياة العامة وفق ضوابط شرعية تتيح لهن المشاركة والاستفادة من التعليم الذي حصلن عليه وتوظيفه للكسب الحلال الذي يساعد هنا على احتياجات الحياة. وبهذه المناسبة اطرح عدداً من الأسئلة: لماذا نبادر بافتراض سوء النية كلما تحركت المرأة أمامنا أو ذكر اسمها؟ أليس في ذلك ذنب نقع فيه مع سابق الإصرار؟ وأين نحن من النص الصريح في عقوبة رمي المحصنات كما ورد في القرآن الكريم؟(ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والاخرة) (النور آية 23) وهل الآية الكريمة موجهة للمرأة فقط، أم للرجل والمرأة معاً؟ وهناك الكثير من الأسئلة التي يمكن طرحها حول مشروعية عمل المرأة وكيف يمكن أن يحميها المجتمع بسن أنظمة وعقوبات صارمة تحد من التحرش بالمرة في مكان العمل، وقد سبقتنا المجتمعات الغربية إلى ذلك بحيث أصبح الرجل اشد حرصا في تصرفاته مع زميلاته في ميدان العمل. إن العودة للكتابة في هذا الموضوع مرارا وتكرارا يدل على أهميته، وعلى ضرورة التعامل معه بعقلانية توفر للجميع القناعة بان دخول المرأة سوق العمل لم يعد خيارا يمكن استبعاده بل إنه أصبح واقعا يستوجب التعامل معه بموضوعية طالما أن ولى الأمر وجه بالتوسع في إفساح المجال في توفير فرص العمل لها حسبما تمليه الشريعة والعادات والتقاليد في وطننا الغالي. وستبقى المرأة بإذن الله تعالى محافظة على دورها الإنساني والاجتماعي اُماً، ومربية، وسيدة منزل، سواء التزمت بعمل خارج المنزل أم اختارت البقاء بعيدة عن الوظيفة لان مهمتها العظمى هي تربية النشء قبل أي وظيفة أخرى...والله من وراء القصد.