مرت أعوام في مواجهة الغلو والتطرف في هذه البلاد المباركة وكان هناك دور حسن في معالجة وجوده في المؤسسات التعليمية والاجتماعية إلا أننا يجب أن نبذل الكثير لترسيخ تلك الأجواء الصحية للفكر الصحيح واعتقد أن من أبرز الحلول الناجحة لدحض شبهات التطرف والقضاء على جيوبه المنتشرة هنا وهناك هو إيجاد النموذج الصحيح للمسلم المعتدل الوسطي الذي يتميّز حقيقة بالاعتدال والوسطية والحنيفية السمحة ويعلم أنه لابد له من القيام بالدور الإيجابي منفرداً ومشاركاً في هذا المجتمع لتحقيق توسع هذا النموذج وانتشاره في مجتمعنا وانحصار مد الغلو والتطرف ومن المهم أن تقيس ما حققه العلماء والدعاة في هذا المجتمع من توعية وتصحيح لما تحمله دوائر التعاطف والمتعاطفين مع هذا الفكر المتطرف بنوعيه التكفيري أو التغريبي إلا أن التطرف التكفيري هو ما أعنيه في مقامي هذا. إن أهم ما يجب مراجعته أيضاً في هذا الموضوع هو تقييم دور المؤسسات وبالتحديد مراجعة أداء الأجهزة الإعلامية والتعليمية والاجتماعية والدعوية على وجه الخصوص وماذا حققت في نشر الوعي الوسطي المعتدل والفكر الحضاري بين أبناء هذا المجتمع الواحد لأن دورها أشمل وأثرها أقوى في حس الإنسان ومشاعره وعقله الباطن بالدرجة الأولى خصوصاً إذا علمنا أن من أهم أنواع المواجهة الحقيقية الآن مع التطرف هو ميدان الفكر والعلم والثقافة بالدرجة الأولى لأن أدوات التطرف في مرحلة الإعداد معرفية بالدرجة الأولى وضحاياها أحياء يعيشون بيننا لكنهم يحملون ذلك الداء الخطير ولا يستطيع التنبؤ باشتعال فتيله لأمور منها خمود ذلك الفكر أحياناً ومنها تلونه وقبوعه تحت السطح أحياناً أخرى نعم لقد حققت المواجهة الأمنية استباقات شهد بها العالم بفضل الله وتوفيقه ثم بفضل توجيهات القيادة الحكيمة وما بذله رجال الأمن البواسل إلا أن ذلك ليس كافياً في العلاج وليس حاسماً لهذه الأزمات وليس هو الخيار الوحيد لمواجهة هذا الداء فلا بد من المواجهة الفكرية ولذلك نرى أن المناصحة أحبطت الكثير مما ولّده ذلك الفكر المنحرف من عقوق بعض أبناء هذه البلاد إلا أنه لابد أن يعلم مجتمعنا بأسره أن هذا الدور الفكري يجب أن يقوم به الجميع كل بحسب قدرته داخل الأسرة وفي المسجد وفي النادي وفي المدرسة وفي أجهزة الإعلام وعبر وسائلها المختلفة وفي المؤسسات الرسمية والأهلية وفي كل مكان ويجب أن يتحلى كل من يقوم بهذا الواجب الشرعي بالثبات والعزيمة والحكمة والرفق فإن هذا الداء العضال يحتاج إلى الكثير من الإجراءات العلاجية والمستمرة لتأهيل المريض به للعودة مرة أخرى لمجتمعه نقياً صالحاً معتدلاً وأي تقاعس في المبادرة نحو هذه المعالجة الفكرية ستؤدي بلا شك إلى بقاء ذلك الداء وامتداده داخل جسد هذا المجتمع وحينها تكون خيارات النجاة قليلة ونتائجها باهظة.. وللحديث بقية.