عندما أصدرت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) أول استراتيجية لمحو الأميّة عام 1976م كانت الأميّة العربية تعاني من مشكلة حقيقية في هذا المجال، وبعد أكثر من ثلاثة عقود وجهود كبيرة وجبارة من جانب الدول العربية على اختلاف ظروفها وإمكانياتها قدرت المنظمة أن الأميّة وصلت بين 60-70 مليوناً عام 2003م، وشكك وقتها كثيرون في هذا الرقم الذي يستقر بعد عامين لدى الألكسو في 2005م عند 70 مليوناً وبعد أربع سنوات من جهود الدول يرتفع الرقم في بيان الألكسو إلى 100 مليون من مجموع السكان البالغ 335 مليون نسمة ل?صل النسبة إلى حوالي 30% وترتفع لدى النساء إلى 5.46% ولكن هذه النسبة تختلف من دولة لأخرى إذ ترتفع كثيراً في بعض الدول وتنخفض في دول أخرى كالسعودية مثلاً لتصل إلى 4.13% أي 7% بين الذكور و8.19 بين الإناث في عام 2008م. ومن الملاحظ أن أي دراسة قومية تظهر فيها مشكلتان أوليان هما غياب الإحصاءات الدقيقة وقدم هذه الأرقام إن وجدت. وقد بنت دراسات عديدة على المستوى القومي أو الوطني على ظاهرة ضعف الأميّة نتائج كثيرة تتعلق بالتنمية في مجالاتها المختلفة ويعنينا هنا موضوع أزمة القراءة التي تم اختزالها في عبارة شهيرة هي «أمة اقرأ لا تقرأ» وسحر الناس ببلاغة هذه العبارة عن إيجاد برامج تنموية مبنية على استراتيجية طويلة المدى فأصبحت في مجملها اجتهادات لا ينقصها الصدق والحماس ولكن تغيب عنها مسائل التخطيط والإمكانيات والعمل الجماعي المشترك، ولم تظهر دراسات على مستوى الوطن العربي تبحث عن إشكالات القراءة ومعوقاتها وسبل تنميتها ولذلك اتكأت معظم الد?اسات القطرية أو الجزئية على تقرير التنمية البشرية الصادم والصادر عام 2003م عن القراءة في الوطن العربي مقارنة بالعالم شرقيه وغربيّه أوله وثالثه وعاشره. في تقرير التنمية الثقافية الأول الذي أصدرته مؤسسة الفكر العربي عام 2008م اصطدم ملف النشر بإشكالية الأرقام فلا توجد إحصائية دقيقة لعدد سكان العالم العربي وتتفاوت بين 324-335 مليوناً، ولا توجد أرقام دقيقة للكتب المنشورة لعدم وجود نظام إيداع الكتب والدوريات في عدد من الدول وتداخل الكتاب المقرر في الجامعات أو المدارس الثانوية أو المطبوع في طبعة مخصصة للتدريس مع الكتاب الذي يمثل إضافة إبداعية، وعلى الرغم من ذلك اجتهد الباحثون في الوصول إلى أفضل تركيبة ممكنة من إحصاءات مختلفة من عام 1992-2007م، وخرجت مع ذلك بنتا?ج محبطة، فمجموع الكتب المنشورة سنوياً في العالم العربي على عدد السكان يجعل لكل 11950 مواطناً عربياً كتاباً واحداً مقابل 491 إنجليزياً للكتاب الواحد و713 أسبانياً أي أن نصيب المواطن العربي من إصدارات الكتب يمثل 4% من نصيب الإنجليزي و5% من الأسباني، وقد أنتجت الدول العربية مجتمعة 27809 كتب في 2007م مقابل 36186 كتاباً في كوريا الجنوبية، وهذا بطبيعة الحال يتناول ما تم إصداره من كتب دون الدخول في الإشكالات التي تصاحب صناعة الكتاب كمعوقات التأليف وعلاقة المؤلف بالجهات المشرفة على إنتاج الكتاب أو علاقته المتوترة ?ع الناشر والموزع أو انصراف الناس عن القراءة والثورة الإعلامية والمعرفية. خمس سنوات تفصل بين تقريري التنمية البشرية والثقافية، والأرقام إن افترضنا نسبة خطأ تصل إلى 5% تظل تحمل أرقاماً موجعة ولكنها قد تعطي دافعاً للانتقال من البكائيات والشعارات البلاغية إلى بناء استراتيجيات قومية ووطنية وبرامج فاعلة وصادقة لتوفير الكتاب لعامة الناس وليس خاصتهم فقط في طبعات شعبية رخيصة الثمن تصل إلى أيدي القراء بيسر وسهولة وتتضافر مع الجهود الحميدة القائمة حالياً لتشكل شبكة تحمل أرقاماً أكثر تفاؤلاً في تقرير قادم. *كاتب في "المجلة العربية" السعودية0