في الوقت الذي وجهت فيه الأجهزة الأمنية ضربات استباقية موجعة للتنظيمات الإرهابية على امتداد الوطن، وعلى رأسها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، بدأ التنظيم في تغيير تكتيكاته، متجها إلى النساء لاستدرار عطفهن، رغم ابتعاده آيديولوجيا عن فكرة الاعتراف بالمرأة وحقها في المشاركة في الحياة العامة. إلا أن مصالح القائمين على التنظيم الإرهابي جعلته يتجاوز عدم اعترافه بالمرأة ويلجأ لها، إدراكا منه لأهمية دورها في التغرير بعناصر جديدة للتنظيم الضال، إذ تبين أن دور زوجات المطلوبين لا يقل أهمية عن دور المطلوبين أنفسهم، من حيث مدى التأثير والعمل السري والعناية بالجرحى الرجال. ويؤكد متخصصون في شؤون تنظيم القاعدة أهمية دور الهاربة وفاء الشهري زوجة سعيد الشهري (المطلوب في قائمة ال 85) التي أعلنتها وزارة الداخلية أخيرا، ويرى خبراء أن قضية الاختطاف التي أعلنت فبركة وتمويه وتضليل، إذ إن وفاء تعلم جيدا أن أخاها يوسف مطلوب وزوجها سعيد مطلوب وكانت زوجة سابقة للمطلوب عبد الرحمن الغامدي الذي قتل في منطقة الهدا. وحرص ثلاثة من أقوى وأخطر زعماء التنظيم في جزيرة العرب على الاستعانة بالمرأة، ودعوتها للمشاركة والتأكيد على أهمية دورها. وخصص يوسف العييري (مؤسس تنظيم القاعدة في المملكة)، في رسالة كتبها من 19 صفحة، أهمية دور المرأة في التنظيم وعنونها ب «دور النساء في جهاد الأعداء»، حيث قال فيها «وسبب مخاطبتنا في هذه الورقات للمرأة هو ما رأيناه بأن المرأة إذا اقتنعت بأمر كانت أعظم حافز للرجال بأدائه، وإذا عارضت أمرا كانت من أعظم الموانع له». واستعرض العييري في رسالته سيرة نساء شاركن في القتال في أفغانستان والشيشان منهن حواء بارييف في الشيشان وأم عمر المكية في أفغانستان التي قتلت خلف راجمة الصواريخ -بحسب العييري-، الذي أنهى رسالته بمطالبة الإرهابيين من النساء في قاعدة جزيرة العرب أن يصمتن عن المقاتلين الرجال عند تنفيذ عملياتهم الإرهابية. كما حرص الزعيم الميداني للتنظيم الضال صالح العوفي على أخذ زوجته وأطفاله من المدينة إلى الرياض لترعاه مع عدد من المطلوبين وتمكينهم بواسطتها من السكن داخل الأحياء الأسرية للتمويه عنهم، حيث كان المطلوبون يحملون كميات من الأسلحة والعتاد من الصعب إخفاؤها دون السكن في منزل واسع، ويكون في الوقت نفسه مأوى للمطلوبين، وهو ما حدث فعلا لكن قوات الأمن استطاعت كشف ذلك الوكر في حي الملك فهد في الرياض، كما احتجزت السلطات الأمنية زوجة العوفي لبعض الوقت، إثر تخليصها وأطفالها الثلاثة من اشتباك مسلح خاضته قوات الأمن في 22 يوليو 2004 مع مطلوبين بينهم زوجها إثر مداهمة أمنية قتل فيها اثنان من المطلوبين أحدهما عيسى العوشن المطلوب الأمني على قائمة ال26. وعثرت الأجهزة الأمنية أثناء مداهمة الموقع على رأس الأمريكي بول جونسون مفصولا عن جسده في ثلاجة المنزل المداهم، كما ضبطت كميات ضخمة من الأسلحة والمتفجرات بينها صاروخ سام 7 الذي تكررت مشاهدته في أفلام دعائية أصدرها المطلوبون في فترات سابقة. ووفقا لبيان المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية، فإن توجيهات الأمير نايف بن عبد العزيز بإطلاق سراح زوجة صالح العوفي تم بعد استكمال التحقيقات معها في نحو 6 تهم تتعلق بواجبها الشرعي في مداراة متهمين بالإرهاب وتعريض أطفالها لخطر حقيقي وسط متفجرات خطرة. وفي حوار مسجل على شريط فيديو مع المطلوب سلطان بن بجاد العتيبي حرص الزعيم الميداني عبد العزيز المقرن في رده على سؤال عن إبراز دور زوجته في دعمه وأصحابه، كما أجابه سلطان عن زوجته أم حمزة التي ماتت إثر إصابتها بمرض السرطان، مستعرضا دورها في أنها كانت تجمع لهم الأموال، وتؤوي الإرهابيين في منزلها، وتعمل كربة بيت لهم جميعا وتحاول إبعاد أعين الأمن عنهم، كما تساهم في توزيع كتب تكفيرية لعلماء الوطن ومشايخه. وقال سلطان إن زوجته أم حمزة كانت تواقة لتنفيذ عملية انتحارية في المملكة، وهي من نشرت عنها مجلة صوت الجهاد التابعة للتنظيم مقالا تحت عنوان أم حمزة نموذج المرأة المجاهدة. ومن زوجات المطلوبين اللاتي قدمن دعما مباشرا للمطلوبين زوجة المطلوب خالد السبيت المطلوب ضمن قائمة ال 26 وهي من أسرة شيشانية كانت معه ترعى المقاتلين وتخدمهم، في الوقت الذي كان المنزل الذي تعيش فيه ممتلئا بالأسلحة ويلهو بها أطفالها. وذكر عيسى العوشن -في مقال حول مقتل السبيت في 12 أبريل -2004 أن السبيت استضاف في منزله ثمانية من أعضاء التنظيم بينهم؛ عبد العزيز المقرن، إذ اختفت الزوجة بعد مقتل السبيت ويرجح أنه تم تهريبها إلى الشيشان مع أطفالها. ويؤكد الخبير في شؤون تنظيم القاعدة والكاتب الصحافي فارس بن حزام أن وصف الزوجات بالجهل والمغرر بهن يجانب الحقيقة تماما، مؤكدا على أن الزوجات يعرفن بدقة المهام الموكلة إليهن من خدمة لأزواجهن أو الخروج والتنقل معهم بين المدن والبلدات. وأكد ابن حزام أن أدوار النساء اقتصر على توليهن مهام الإشراف المنزلي وجمع الأموال، وفي حالات أخرى لهن مهام العيادة الطبية، عبر علاج المصابين من عناصر التنظيم، ومساعدة الرجال في التنقل. ولفت ابن حزام إلى التناقض الكبير في صفوف معتنقي فكر القاعدة، فمن جهة هو يعتنق فكرا يرفض الاعتراف بحق المرأة في المشاركة العامة، والظهور على الرجال، وفي الوقت ذاته يشركها في مشروعه داخل التنظيم، ما يؤكد اعترافه بأهمية المرأة حتى في مجال الإرهاب. ويشير متخصصون في مجال التنظيمات الإرهابية إلى أن خروج وفاء الشهري من بلادها إلى اليمن -متحملة المشقة ووعورة الطرق-، لم تكن من أجل الاستئناس بقرب زوجها المطلوب سعيد الشهري بل هي بداية لتأسيس تنظيم نسائي قاعدي للخدمات المساندة؛ بدءا بجمع الأموال وتوفير الرعاية للمطلوبين حتى يصبح مركزا لراحتهم وعلاجهم ومنه تنطلق فرق الموت للعبث داخل الدول المحيطة مستغلة الأحداث الأمنية في صعدة وطول الحدود ووعورتها.