من الثابت تاريخياً أن لبنان ومعه العالم العربي، قد عاش رَدْحًا طويلاً من الزمن في الأزمات السياسية والفكرية، وظلت آثارها ومفرداتها باقية. ولأن الفكر المتجدد شأنه شأن الكائن الحي، فكان لزاماً أن يحمل الكاتب والباحث والمحامي الشاب شادي خليل أبو عيسى أفكاره النيّرة البرّاقة ليفجّرها على صفحات كتابه الجديد- المهم جداً- " الولايات غير المتحدة اللبنانية " الصادر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في بيروت- العاصمة الدولية للكتاب-، ونتاجه هذا يختصر سنوات من الضياع والصراع في لبنان والوطن العربي على كافة الصعد. يسير الكاتب شادي أبو عيسى بصبر واقتدار، إذ يسبر في غور تلك الأعماق الممتدة في القدم، مُؤَكِّدًا أن التلاقح والتمازج والتأثير والتأثر هي السمة الطبيعية الفارقة لأي مجتمعين إنسانيين، يمنحهما التاريخ فرصةَ التقابل واللقاء. ويواصل المؤلّف أبو عيسى في هذا الكتاب الذي قدم له المفكّر روبير غانم( رُشّح لجائزة نوبل للأداب)، تعريف القارئ بالتاريخ اللبناني والعربي، ومسألة التأثير والتأثر. يحتوى الكتاب، الذي يقع في407 صفحة، على 10 فصول، تعالج هواجس الشباب والطلاب..الهموم والآمال بدقة واتزان. كما يحتوي على 69 ملحق وصور ووثائق وبيانات ومعلومات بارزة تنشر للمرة الأولى. ويأتي كتاب " الولايات غير المتحدة اللبنانية " بعد سلسلة دراسات وأبحاث متفرقة ومفيدة قام بنشرها الكاتب أبو عيسى في أوقات متباعدة في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية، وهي تشكل الركن الأساسي لمعرفته العميقة بصلب الأزمة اللبنانية والعربية ويحاول جاهداً تقديم الحلول اللازمة لها عبر أسلوبه المتميّز وكلماته الصاروخية الدقيقة، التي تدخل العقل والقلب في آن معاً. وبعد أن أصبح كتابه مرجعاً أكاديمياً جامعياً عن جدارة واستحقاق، استطاع المؤلِّف أن يدخل عمق المشكلة نتيجة حوارات ودراسات مع الشباب من مختلف المناطق والانتماءات ليُغربل الأفكار ويقدمها كطبق شهي إلى كل مواطن يسعى إلى التقدم والسلام والتحرر. " الولايات غير المتحدة اللبنانية "، سطع بسرعة البرق وانتشر بقوة بين أفكار الطلاب والسياسييين، وهو الذي امتاز بمواضيعه المتنوعة والجديدة. اذ يتطرق الكاتب إلى أصل لبنان وبداية الجمهويات اللبنانية من زحلة إلى لبنان الحالي وتطورها مروراً بالأزمات والصراعات والتجاذبات المتعددة وصولاً إلى الحروب والمعارك العسكرية واتفاق الطائف الفراغ الرئاسي وما تبعه من أحداث وصولاً إلى اتفاق الدوحة وانتخاب سليمان رئيساً للجمهورية. وينتقل بعدها الكاتب ليأخذنا إلى دنيا الأحلام والآمال عبر الأقوال اللبنانية والعربية والأجنبية الحاسمة. ولا يسعنا إلاّ أن نشيد بمقدمة الفيلسوف غانم الذي استطاع وصف مضمون الكتاب بدقة واضحة، فيقول: " لبنان عبْر كتاب شادي خليل أبو عيسى، هو ناسوتي جذوري توثيقي إبداعي...بامتياز، وفي الوقت نفسه، هو لاهوتي بامتياز، أيضاً...أمّا لماذا وكيف؟ فلأنّه منذور للبنان، ولبنان هو اللاّهوت قبل تجذّره بالناسوت السرمديّ! قليلة هي الكتب التي يجب أن تظهر إلى النّور. فالكُويتِب، هو غير الكاتب، والشُويعِر هو غير الشاعر، والفُنَيِّن هو غير الفنّان... ويضيف أيضاً: " شادي، كم كتابك هو الكتاب الضروري، يجيء حاملاً بين طيّاته نُسوغ الأمل بعد يأس، وقيامة بعد رحيل، للبنان، الوطن القيامي بامتياز، الذي اعتاد على حَمْل الجمر، لأنّه غوّاصُ لَهَب، هجّاسُ انتماء خالد، حدّاسُ معرفة، رهّاصٌ بالمطلَقات التي لوحدها، كما للبنان، يستحقّ أن نحيا ". كتاب " الولايات غير المتحدة اللبنانيّة " هو بالتأكيد المرجع التاريخي والسياسي والاجتماعي للبنان والعالم العربي