على سجادة مهترئة وبمعية أواني طبخ قليلة وجهاز راديو ونسخة من القرآن الكريم، اضطر جواد الشمري إلى الاختباء داخل حفرة عرضها نصف متر وطولها متران لمدة 22 عاما بلا انقطاع بعد أن حكم عليه نظام صدام حسين بالإعدام بتهمة الانتماء لتنظيم معارض في عام 1979. وبعد عام من انتقاله من مكان لآخر، قام الشمري بمساعدة والدته بحفر حفرة بمنزل العائلة ولم يكن أي منهما يعلم أن هذا المكان الضيق سيصبح منزلا له لأكثر من عقدين من الزمان. وظل الشمري طوال تلك الفترة يدعو الله أن يطيح بنظام صدام حتى يتمكن من الخروج من باطن الأرض، حيث انه لم يستطع مغادرة مخبأه لحضور مراسم تشييع شقيقه الذي تم تنفيذ حكم الإعدام فيه بأوامر من النظام. وعندما مرضت والدته وعجزت عن تزويده بالطعام والماء، أيقن الشمري انه هالك لا محالة وان تلك الحفرة ستصبح قبرا له بلا شاهد. وكانت الظروف داخل الحفرة مريعة إلى حد أن صحته تدهورت بسرعة وبعد بضع سنوات سقطت كل أسنانه. ولم يتمكن الشمري من الخروج من الحفرة إلا بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003. وقال الشمري في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية،» قامت والدتي بتوصيل أنبوب بلاستيكي وأخفت طرفه الخارجي، حتى أتمكن من الحصول على هواء نقي. وهكذا تمكنت من البقاء على قيد الحياة طوال تلك الفترة.» ويمضي الشمري قائلا:»لم أتوقع قط أن أغادر ذلك المكان وأعيش حياة طبيعية من جديد. كنت في بعض الأحيان أشعر وكأنني ميت. لقد كان كل شيء يسبح في ظلام كالح السواد. كان سلوتي وعزائي القرآن الكريم والاستماع إلى الإذاعات. وكان الشمري يخرج من مخبئه بين فينة وأخرى تحت ستار الظلام ليتجول في المنطقة الريفية من حوله. وفي إحدى جولاته الليلية شاهده ابن أخيه البالغ من العمر أربع سنوات وسرعان ما أغمي عليه من الرعب اعتقادا منه انه أمام شبح بلحية طويلة غير مشذبة وملابس متسخة. والآن وفي سن الخمسينات، أصبح الشمري شخصية شهيرة، ولكنه منذ أن خرج إلى النور منذ تسع سنوات، ما زال يجتهد للحصول على عمل والتكيف مع العيش فوق سطح الأرض. وعلى الرغم من ان الحكومة العراقية تعوض السجناء السياسيين ضحايا النظام السابق وتساعدهم في الحصول على عمل إلا أن الشمري ليس مؤهلا للحصول على هذا العون لان سجنه من الناحية الفنية من صنع يده هو. ويوضح الشمري قائلا:»لا تعتبرني الحكومة سجينا سياسيا. ولكي يحصل الشخص على تعويض أو على عمل فإنه بحاجة لأن يثبت أنه كان سجينا. والدتي هي الشخص الوحيد الذي يعلم بقصتي ولكن شهادتها لا تعتبر دليلا كافيا.» الشمري يعرض أسنانه التي سقطت أثناء اختبائه