قبل أن تستيقظ الشمس وتسكب أشعتها على البياض المتقاطر من مزدلفة إلى منى. تحول جسر الجمرات والمنطقة المحيطة به إلى أشبه ما تكون بمدرج طائرة عملاقة، الوان وحواجز وإشارات تزين المكان الذي تجمع فيه ملايين المسلمين لتبادل التهنئة بالحج والعيد في أكبر تجمع عالمي للمعايدة. وعلى ظهر الجسر وبين ثناياه توزع رجال قوات أمن جسر الجمرات، ينتظرون ضيوفهم المقبلين لرمي جمرة العقبة الكبرى. ثلاثة أيام وصيحاتهم تدوي في المكان رافعين درجة استعدادهم ليتحولون إلى جسور بشرية تحتضن المقبلين لأداء النسك، وتنظم دخولهم وخروجهم. 24 سلما كهربائيا تحمل على ظهرها أقدام مسنين ومرضى، أعياهم التعب والسير لأكثر من 9 كيلومترات، بعد أن قضوا الليل بطوله في مزدلفة، أجساد رجال الأمن القوية والغضة تحولت إلى صف يسهل عبور الحجاج المتوجهين إلى صحن رمي الجمرات، حتى أصبحوا حوله اشبه بسواتر بشرية يحتضنون من يخافون على سلامته دون كلل أو ملل. منظر رجال الأمن في الأدوار الأربعة وهم يراقبون ويحرسون رمي أكثر من 15 مليون حصاة، بعد أن يختم على ظهر الجسر 300 ألف حاج بأقدامهم كل ساعة. في غرفة العمليات وعلى الأرض توزعت 2600 عين بشرية ورقمية لمتابعة كل متر مربع بينما أيادي وقلوب رتبات عسكرية متفاوته على الأرض تمتد لتمكين وجوه أتت من أقصى الصين إلى أدنى أمريكا. الخطة التي رسمتها وزارة الحج لتفويج الحجاج على دفعات بالتنسيق مع مؤسسات الطوافة، تنتهي عند المداخل الحديثة وتتسلم قوات أمن الجسر وهي فرع من قوات الطوارئ، مهمة الترحيب والحفاظ على سلامة ضيوفهم عبر حواجز بشرية دائرة تسهيل مهمة إنقاذهم في حال حدوث مكروه. يستريح الحاج المصري عبدالفتاح ناصر (44 عاما) عند مدخل شارع سوق العرب بينما ينصحه أحد طلاب الكلية الأمنية بأن وقوفه خطر عليه وعلى المارة ويكمل سيره :” تعبت من المشي ولكن بالنسبة لي أهون من أن يقع لي حادث في الجسر، أخبرني أقاربي الذين حجوا قبلي عن حوادث وقعت في السنوات الماضية ولكن لم اتخيل هذه السهولة واليسر، خصوصا أن رجال الأمن كانوا يواجهون ضغطا كبيرا ورغم ذلك كانوا يعاملونا بكل إنسانية”. ما يزيد عن أربعة بلايين ريال ضختها حكومة البلاد لضمان الخروج بجسر مختلف شكلا ومضمونا يوفر أقصى درجات الحماية ويمكن أكبر عدد من الحجاج من أداء النسك، إذ يستوعب الدور الأرضي 80 - 100 ألف للأول و 60 في الدورين الثاني والثالث، وخصص القبو للمعوقين.