(شرق)- الرباط - قد لا تتمخض الضغوط على ليبيا لوقف موجات الهجرة غير المشروعة التي تنطلق من شواطئها عن نتيجة تذكر، بعدما تحولت الدولة الواقعة في شمال أفريقيا المطلة على البحر المتوسط الى منطقة جذب للافارقة الفقراء وهم في طريقهم الى الحلم الاوروبي. إذ تفيد المنظمة الدولية للهجرة ان هناك 5ر1 مليون مهاجر يعملون بصورة غير مشروعة في ليبيا حيث تتنامى الصناعات الخدمية وتنشط عمليات البناء بعد خروج البلاد من سنوات من العقوبات. بينما وتقدر جماعات مدافعة عن حقوق المهاجرين عدد من يعبرون الى ايطاليا سنويا بنحو 100 ألف. وينظر الكثير من هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين إلى ليبيا بمثابة وطن مؤقتن، يمكن ان يدخروا فيه المال لرحلة بحرية الى أوروبا، على أمل الحصول على رواتب أعلى تنتشل أسرهم من الفقر. وغالباً ما ترصد قوات حرس السواحل بعض الزوارق المتهالكة المكدسة بالمهاجرين ويرسل من على متنها الى مراكز ايواء المهاجرين اما الاقل حظا فلا يصل أبدا الى الشاطئ. ففي أواخر مارس اذار غرق زورق وسط رياح عاتية ويخشى مقتل أكثر من 200 مهاجر. وتأمل منظمات الاغاثة في تفادي حوادث مماثلة اعتبارا من شهر مايو القادم، حين تبدأ ايطاليا وليبيا دوريات مشتركة في البحر. كما تأمل الحكومات الاوروبية أن يدفع تحسين العلاقات مع ليبيا حكومة طرابلس الى تشديد الرقابة على المهاجرين المقيمين في أراضيها. آمال أكبر من الواقع لكن المحللون يرون الآمال الاوروبية غير واقعية، لكونها تتوقع من ليبيا تنظيم دوريا حدودية بطول 4300 كيلومتر، بينها الكثير من الاراضي على حدود مناطق صحراوية شاسعة يغيب عنها القانون في النيجر ومالي. أما إلى الشمال، فيمتد ساحل ليبيا المطل على البحر المتوسط بطول 1700 كيلومتر والكثير من هذه المناطق مهجورة وهو ما يجعلها مناطق مثالية لانطلاق زوارق المهاجرين دون رصدها. ويقول رئيس "اعرف ليبيا" ومقرها طرابلس المحلل سامي زبتية، في تقرير له الجمعة 17-4-2009، إنه، حتى الغرب بكل بنيته التحتية وقدراته، "يكافح للسيطرة على المهاجرين الامر بالنسبة للمهاجرين هو الموت البطيء او المجيء الى ليبيا لا أعرف كيف ستقدر ليبيا على اغلاق الباب في وجوههم بالكامل". علماً أن لبيبا لا تزال قادرة على استيعاب العمالة فهي تضخ عائدات الطاقة في عملية استبدال لبنية تحتية مستهلكة وبناء المنازل والمدارس والمطارات والمستشفيات. حتى أن البنك المركزي الليبي توقع الشهر الماضي، نمو الاقتصاد المحلي بما يتراوح بين 6 و8% في القطاع غير النفطي، مبرزا قدرة البلاد على التكيف في مواجهة الازمة المالية العالمية. وجعلت الحكومة اليمينية في ايطاليا من أولوياتها شن حملة على المهاجرين، آملة بالمزيد من التعاون مع طرابلس، بعدما وافقت روما، العام الماضي، على دفع 5 مليارات دولار تعويضا عما ارتكبته من أفعال خلال فترة استعمارها لليبيا التي استمرت من عام 1911 حتى عام 1943. لكن ثبت من قبل ان مشكلة الهجرة هي ورقة رابحة في يد طرابلس لا تريد التخلي عنها. ويقول زبتية "السيد القذافي ومعه كل الحق لم يحجم عن استخدام الهجرة كورقة تفاوض. من الناحية الاخلاقية هو يشعر ان الهجرة من أفريقيا الى أوروبا هي أقل ما يمكن ان يفعله الغرب مقابل كل السنوات التي استعمر فيها أفريقيا". وتحتشد مجموعات من مواطني غينيا وساحل العاج والكونجو ونيجيريا قرب مواقع الانشاء في العاصمة الليبية وقد حملوا عددهم على أمل الحصول على عمل. ولا يتحدث غالبية المهاجرين العربية لكن هذه ليست مشكلة في أعمال البناء وغسل السيارات وطلاء الجدران وكنس الارصفة. فأربعة أشهر من هذا العمل تدر عليهم دخلا يوازي أجر عام في غامبيا، وفقا للمعلومات التي جمعتها المنظمة الدولية للهجرة من المهاجرين أنفسهم. صورة القذافي لكن محللون يرون ان الزعيم الليبي معمر القذافي قد يتردد في شن حملة على المهاجرين، بسبب حرصه على صورته كنصير للافارقة المغلوبين على أمرهم في مواجهة القوى الغربية. حتى أن الزعيم الليبي دعا الى اقامة الولاياتالمتحدة الافريقية على غرار الولاياتالمتحدةالامريكية لمكافحة الفقر وحل الصراعات. وحين انتخب القذافي رئيسا للاتحاد الافريقي في فبراير شباط، طالب أوروبا بمساعدة القارة السوداء على توفير فرص أفضل للشبان اذا كانت تريد حقا الحد من الهجرة غير المشروعة. كما اتهم، في العام الماضي، دولا أوروبية بقتل مئات المهاجرين باغراق زوارقهم عمدا. وتقول الجماعات المدافعة عن حقوق المهاجرين ان الخطة التي طبقت في اوائل عام 2008 لاجبار العمال الاجانب الذين لا يحملون تأشيرات صحيحة على مغادرة ليبيا لم تحقق الكثير، وان عمليات الطرد لا تتفق بسهولة مع صورة القذافي كنصير للافارقة. ويشرح الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي الذي يعمل في طرابلس مصطفي الفيتوري أن ليبيا تتبنى القضية الافريقية "منذ بعض الوقت قلنا للافارقة هذا (ليبيا) وطنكم. هذه بلادكم وافريقيا غنية وكان لهذا أثر كالمغناطيس على الافارقة". وقال جان فيليب شوزي الناطق باسم المنظمة إن حطام السفن والمصادر الدبلوماسية في طرابلس تشير إلى هذا العدد من المفقودين. وأضاف أنه يبدو أن عدد المسافرين على المراكب الثلاثة كان يفوق حمولتها، وأنها غرقت وسط عاصفة عاتية، بينما تم قطر مركب رابع كان يعاني صعوبات إلى الشاطئ. وتعتقد المنظمة الدولية أن المهاجرين كانوا يحاولون العبور إلى إيطاليا بحثاً عن مستوى معيشة أفضل في أوروبا. وقال مسؤولون ليبيون إن من بين المفقودين أشخاصاً من الصومال ونيجيريا وإريتريا والمناطق الكردية بسوريا والجزائر والمغرب والاراضي الفلسطينية وتونس. ونقل مسؤول امني ليبي عن احد الناجين من تونس قوله إنه كان على ظهر القارب ومعه 13 تونسياً من بين المهاجرين، وأضاف أنه كان الناجي الوحيد وأن كل مواطنيه التونسيين غرقوا. وذكرت المنظمة الدولية للهجرة ان الساعات ال36 الماضية شهدت "مغادرات جماعية" من ليبيا اعتباراً من ليل الاحد رغم شدة الرياح. وقالت جيميني بانديا المتحدثة باسم المنظمة "بعض الناس وصلوا ايطاليا والبعض جرت ملاحقتهم وأعيدوا الى ليبيا والبعض يخشى وفاته"، وأضافت "لن تكون لدينا فكرة حقيقية عن عدد من كانوا في الزوارق لاننا لا ننتشل كل الجثث". وصرح رون ريدموند المتحدث باسم انتونيو جوتيريس بأن مفوض الاممالمتحدة السامي لشؤون اللاجئين يأسف لما حدث في بداية "موسم التهريب" في البحر المتوسط، وقال جوتيريس وهو رئيس وزراء برتغالي سابق إن ذلك "أحدث مثال مأساوي على ظاهرة عالمية يقدم فيها اناس يائسون على خطوات يائسة للفرار من الصراع والقمع والفقر بحثاً عن حياة أفضل". وقال ريدموند ان فريقاً من المفوضية في طريقه الى ليبيا لاستجواب بعض المهاجرين الذين اعيدوا الى هناك والمحتجزين الان في مراكز احتجاز قرب طرابلس. وقدرت المنظمة الدولية للهجرة وجود ما يتراوح بين مليون ومليون ونصف مهاجر إفريقي في ليبيا بصورة غير مشروعة، بسبب الحاجة الى عمال غير مهرة، ويجيء معظمهم من غرب افريقيا بما في ذلك مالي وبوركينا فاسو وغانا والنيجر ونيجيريا وساحل العاج او من القرن الافريقي من دول مثل الصومال وإثيوبيا. وقال تشوزي "نسبة غير معروفة منهم تواصل رحلتها الى أوروبا، إنهم يدخرون أموالهم في ليبيا ليدفعوا المال لشبكات التهريب، هؤلاء الناس كانوا في الاغلب متجهين الى لامبيدوسا"، مشيراً الى جزيرة ايطالية وصل اليها العام الماضي 37 ألف مهاجر غالبيتهم انطلقوا من الساحل الليبي.