إن طريق الإصلاح يبني على قيمنا الحضارية وخصوصيتنا الثقافية المستمدين أصلا وأساسًا من الدين الذي يؤمن به المصريون كافة ، إسلامًا كان أو مسيحية. وهم يرون أن مرجعية الإسلام العامة في هذا الوطن محل احترام بنيه أجمعين ؛ فهي بالنسبة للمسلمين مرجعية دينهم الذي به يحيون وعليه يموتون ويبعثون، وهي بالنسبة لغير المسلمين مرجعية الحضارة التي بها تميزت بلادهم ، وفي ظلالها أبدع مفكروهم وعلماؤهم وقادتهم ، وبلغتها نطق وعاظهم وقديسوهم ، ولهم في إنجازاتها كلها دور مشهود وجهد غير منكور ، وهم فيها صناع أصلاء ، وفي ظلال غيرها من الحضارات أتباع أو دخلاء ، ولذلك فإن السعي بالوسائل الديمقراطية إلى تطبيق المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع " وان الأزمة إذن تكمن في هذه الديمقراطية المزعومة التي تمكن القلة من السلطة بواسطة تلك الآليات الخادعة وفي مقدمتها الانتخابات ، وتبعد الشعوب عن حقها في الممارسة الحقيقية للسلطة ، وتجعلها تصارع، وتقاتل من اجل ان تستعيد حقوقها من تلك الأقلية التي سطت علي تلك الحقوق أن ما يجري في مصر وحولها أمر ضخم سيغير ملامح العالم ، وفي القلب منه منطقتنا ، وأن هذا التغيير لن يقف عند حدود معينة بل سيطال الأنظمة الحاكمة قبل الشعوب ، ويشمل البنية الثقافية والقيمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية..إلخ ، وسيطرح توازنات قوى سياسية وثقافية وحضارية جديدة ، وذلك إيذاناً ببدء حقبة جديدة في تاريخ العالم والنظام الدولي . أن ما يجري هو لحظة كاشفة لمجمل أوضاع تتعلق بنا نحن العرب والمسلمين ؛ أوضاع قابليات استعمار مباشر ووهن سياسي واقتصادي واجتماعي وتعليمي دفع بالطامعين إلى التداعي علينا كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها. أن حركة العالم تتجه نحو اتجاهات شتى ، إلا أن الأبرز فيها هو اتجاه العدالة في مقابل اتجاه الهيمنة والاستبداد ؛ فحركة الأحداث أبرزت أن العالم الآن يمكن أن ينقسم وفق محاور جديدة تقوم على الهيمنة والطغيان من جهة في مقابل قوى وأطراف وأفكار ومصالح كثيرة ومتنوعة في جهة أخرى ، تسعى لمقاومة هذه الهيمنة والانتصار عليها عبر تجاوز الانقسامات الدينية والعرقية والوطنية ، وتتجه أكثر فأكثر نحو المشترك الإنساني العام. إن هذه الأوضاع في مجملها تقتضي عملا ًجادًا في طريق بلورة خطاب وطني جديد ؛ يستوعب متغيرات الواقع و ويهدف إلى التغلب على مشكلاته ، ويدعو إلى ابتكار صيغ عملية للإصلاح ، تكون قادرة على مقاومة الهيمنة بيد ، وبناء النهضة باليد الأخرى ، وهو في ذلك كله خطاب منفتح على العالم ، ساع للمشاركة في بلورة الحركة العالمية الرامية لتفعيل القيم الإنسانية المشتركة بين البشر. جعل الشريعة متفاعلة مع جوانب الحياة جميعًا؛ هي تخير الاجتهادات التي لا تصيب حركة المجتمع بالشلل ؛ بل تدفعه للأمام ، ولا تعرقل خطوات تطوره ؛ بل تسهم في زيادة سرعتها ، ولا تعوقه عن التقدم المنشود ؛ بل تقربه من هذا التقدم يوماً بعد يوم. وهم يعتقدون أن ما يقدمونه في ذلك اجتهادات بشرية تستضئ بمقاصد الشريعة العامة وكلياتها الأساسية ، ولكنها تظل اجتهادات تحتمل الصواب والخطأ ، وقابلة للأخذ والرد ، والنقد والمراجعة ، كما أنها قابلة أيضاً لإعادة النظر والتغيير من زمان لزمان ومن مكان لمكان. إن وضع الشريعة الإسلامية موضع التطبيق : تحقيق حياة أفضل تسودها الرفاهية والعيش الكريم للمواطنين المصريين كافة ؛ فليست الشريعة مجرد نصوص تتلى وأحكام تطبقها المحاكم ، ولكنها قيم ومعايير مرجعية يتحاكم الناس إليها فيما بينهم حتى ولم تتدخل الدولة ومحاكمها ، على أن يعطي كل ذي حق حقه ، ويكون هدف الجميع هو السعي إلى تفعليها في جوانب الحياة جميعاً. أن أساس الإصلاح في مصر والضامن لاستمراره هو إطلاق الحريات العامة ؛ التي هي مقدمة النهضة والشرط الضروري لتحقيق المقاصد العامة للشريعة من حرمة النفس الإنسانية ، وحفظ العقل وتفعيل دوره في الحياة ، وحرية الاعتقاد ، وحرمة المال العام والخاص ، وصيانة العرض وكرامة الإنسان . أن الإصلاح السياسي والدستوري من شأنه أن يمنع التدخلات الأجنبية التي تحاول أن تفرض نموذجاً سياسيًا معينًا لا يراعي خصوصية المجتمع المصري ، ولا يقيم وزناً لتاريخه السياسي ونضاله الوطني والديمقراطي، إلا أن الأهم هو أن المؤسسين يرون أن إطلاق الحريات العامة وتحقيق الإصلاح السياسي والدستوري من شأنه أن يزيد قوة المجتمع في مواجهة التحديات الخارجية ، التي تأتي في مقدمتها الهيمنة الأجنبية على مقدرات الشعوب والأوطان . كما أن إطلاق الحريات يؤدي إلى دعم الاستقرار ، وعدم تعرض المجتمع لهزات وقلاقل نتيجة استمرار الأوضاع الراهنة. والالتزام بالمبادئ والأسس أنها السبيل لإقرار الحريات العامة والإصلاح السياسي للخروج من الأزمات: إن الشعب مصدر جميع السلطات التي يجب الفصل بينها واستقلال كل منها عن الأخرى في إطار من التوازن العام ، وهذا المبدأ يتضمن حق الشعب في أن يشرع لنفسه وبنفسه القوانين التي تتفق ومصالحه . واحترام حق التداول السلمي للسلطة عبر الاقتراع العام الحر والنزيه ، ووجوب تحديد مدد زمنية لشغل المواقع الأساسية في قمة السلطة العامة. والمواطنة أساس العلاقة بين أفراد الشعب المصري ، فلا يجوز التمييز بينهم بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو العرق في جميع الحقوق والالتزامات وتولى المناصب والولايات العامة . وتأكيد حرية الاعتقاد الخاص ، وإقامة الشعائر الدينية بحرية لجميع الأديان السماوية. وإقرار التعددية الفكرية والسياسية ، والحق في تشكيل الأحزاب السياسية والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني كافة ، وأن تكون الجهات الإدارية عوناً لها في أداء مهماتها ، ولا يكون لأية جهة إدارية حق التدخل بالمنع أو التضييق من حدود هذا الحق ، وأن تكون السلطة القضائية المستقلة هي المرجع لتقرير ما هو مخالف للنظام العام والمقومات الأساسية للمجتمع ، أو ما يعد إخلالا بالتزام العمل السلمي أو عدم الالتجاء للعنف أو التهديد به. والمساواة الكاملة بين المرأة والرجل في الأهلية السياسية ، والقانونية ؛ فمعيار تولي المناصب والولايات العامة مثل القضاء ورئاسة الدولة هو الكفاءة والأهلية والقدرة على القيام بمسؤلياتها وليس الجنس . وتأكيد حرية الرأي والتعبير عنه والدعوة إليه . وتعتبر حرية تدفق المعلومات ، وإنشاء وسائل الإعلام وتملكها ضرورة لتحقيق ذلك. واحترام الكرامة الإنسانية وجميع حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، التي نصت عليها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية . وتفعيل مؤسسات الأمة من اتحادات ونقابات وجمعيات ونوادٍ وغيرها ، بما يعيد التوازن إلى علاقة الدولة بالمجتمع المدني . وإقرار حق التظاهر والإضراب السلميين والاجتماعات العامة والدعوة إليها والمشاركة فيها. لتوسع في تولي المناصب بالانتخاب ، وخاصة المناصب ذات العلاقة المباشرة بجماهير المواطنين [عمد القرى رؤساء الأحياء المحافظون...]. وإن تهيئة الأوضاع لتحقيق هذه المبادئ العامة يتطلب الإسراع في تطبيق مجموعة كبيرة من الإجراءات أهمها: إلغاء جميع القوانين الاستثنائية والمحاكم الاستثنائية أو الخاصة ، ورفع حالة الطوارئ عن البلاد ، وعدم العودة إليها إلا في حالات الحرب أو الكوارث الطبيعية وبمقدار ما تمليه الضرورة الناشئة عن أي منها. الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي ، وإنهاء ممارسة انتهاكات حقوق الإنسان. توفير الضمانات لحيدة الانتخابات العامة بإشراف قضائي كامل على كل مراحل العملية الانتخابية . إطلاق حرية العمل الطلابي والنشاط الجامعي . تعزيز آليات الشفافية والمحاسبة بما يحول دون ظهور الفساد فضلا ًعن استشرائه. توفير الضمانات اللازمة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة للنقابات المهنية وكذا العمالية. العمل على استقلال مؤسسة الأزهر ماليًا وإدارياً عن بيروقراطية الدولة ، مع السعي الحثيث لإصلاحه وتدعيم دوره في تقديم الفكر المعتدل ؛ بما يكفل قيامه بالمهام المنوطة به في الدعوة والإرشاد والتعليم محليا وإقليميًا وعالميًا ، ومن ثم دعم مكانة مصر إقليمياً وعالمياً. تحقيق استقلال القضاء استقلالا تامًا عن السلطة التنفيذية على النحو الذي أكدته مؤتمرات القضاة وبياناتهم العديدة ؛ بحيث لا يكون لأية جهة سوى مجلس القضاء الأعلى أي اختصاص يتعلق بالعمل القضائي أو تعيين القضاة أو ندبهم وإعارتهم أو توليتهم مناصب إشرافية ، وتحقيق الاستقلال المالي للسلطة القضائية بإدراج ميزانيتها رقمًا واحدًا مجملا في ميزانية الدولة . إعداد : علاء حمدي عبده مصر - الوادي الجديد