إن من دواعي الاستغراب و الاستنكار و الاستهجان امتياز كرنفال الفتاوى الأخير بوجود قاسمين مشتركين وسما كل الفتاوى الكرنفالية؛ الأول: انحياز و جنوح و نزوح كل تلك الفتاوى الى اليسار، و ميلها نحو الأسهل و الأحلى و الأجمل و (الأكول على وزن "كوول") حتى أنها ارتطمت بسور الرخصة فهشمته و نفدت من جهته المقابلة. باختصار لو قدر لتلك الفتاوى أن تحمل شعارا لحملت شعار "الجمهور عايز كده"!! الجدير بالفغر (فغر الفاه تعجبا!) أن باب الاجتهاد المعاصر فتحت مصارعه فقط باتجاه "الأكول" و أُوصِدَت حتى نوافذه باتجاه مفاهيم كان يسميها السلف (الأخذ بالعزيمة - الأتقى - الأحوط)!! أم أن اجتهاد زمان الهمبرجر اجتهاد من نوع أشطر؟!؟! والقاسم المشترك الثاني هو هبوب فئام من ذوي الأجندات برفع عُقُلِهَا و غُتَرِهَا و إِشَارباتها (الإشارب: قماش ملون مزركش يغطى به الرأس، يزعمون أنه حجاب) إجلالاً لمطلقي الفتاوى الكرنفالية و تقديرا لجهودهم المضنية في إعطاء النصوص حقها من الدراسة و التمحيص و.. (ولي الأعناق).. وصدعهم بالحق و سباحتهم ضد تيار الهيمنة! و لو أن أرباب و ربات الأجندات ارتدوا قبعات كاوبوي و رفوعها للكرنفاليين لكان أحرى و أجدى و أقل فصاما و أندر تقلبا... هذا و قد احتج مطلقوا الفتاوى الكرنفالية كما احتج جمهور المعجبين و المشجعين من رافعي القبعات بأنه لا مبرر لتحجير واسع و أن باب الاجتهاد يجب أن يفتح على مصراعيه بل يجب أن يُقتلَع كلا مصراعيه (وإذا في ثلاث مصارع تقتلع بعد)!! وقالوا بأن الأجر للمجتهد مصيبا كان أم مخطئا دليل على تعددية الرأي الإسلامية و انفتاح الاعتبارية الشريعة!! غير انه من المعلوم بالضرورة أنه لو قال زيد – على سبيل المثال –لعمرو "اشرب الشاي" – بشكل تلقائي وغير متكلف – فقد يكون قصد زيد من ذلك أن يكرم ضيفه عمرو، أو أن يستعجل عمرو للمغادرة، أو أن يحترق لسان عمرو بسخونة الشاي! ...الخ. بيد أنه لا يستقيم للعقل أن يكون مقصد زيد من تلك العبارة كل تلك المقاصد دفعة واحدة – على افتراض أن زيدا رجل عاقل! هذا وقد يفهم عمرو من عبارة "اشرب الشاي" أيا من المعاني الآنفة أو يفهم معنىً آخر غيرها – بيد أن تعدد الاحتمالات التي قد تفهم من العبارة لا يمكن أن يحتج به على تعدد المقاصد من العبارة. مسلمات طبيعة العقل و طرق التقكير وحتى قواعد اللغة تقتضي أحادية مقصد المتكلم. قد يرجع تعدد المقاصد المحتملة بعبارة أو تعدد المفاهيم الممكن استيعابها من عبارة الى قصور في العقل أو قصور في اللغة أو قصور في كليهما؛ و لكن تبقى الحقيقة أن مقصد المتكلم هو مقصد واحد فقط. و بناء عليه فإن تعدد الفهم للنصوص الشرعية إن افترض فيه الإخلاص، لا يمكن أن يفهم – أو يؤول لحاجة في نفس يعقوب – على أنه تعدد في المقصد من النص. و لذلك كان أجر المجتهد المصيب أجران (أجر اجتهاده و أجر إصابته للمقصد الوحيد) و أجر المجتهد المخطيء أجر واحد (أجرالاجتهاد فقط). ]اللجنة الدائمة، فتوى19623[