انتهت الجولة الخامسة للمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جورج ميتشل دون أي تقدم في العملية السلمية بين الفلسطينيين والاسرائيليين في المفاوضات غير المباشرة , وكان ميتشل في جولاته للشرق الأوسط ولقائه مع القادة العرب خاصة الرئيس الفلسطيني أبو مازن يبحث عن أي نجاح يمكن أن يعود به للادارة الأمريكية . اسرائيل انشغلت بتبريرها قتل نشطاء السلام في فلوتيلا الحرية , الذين يحملون أدوية ومواد غذائية ل 1.4 مليون ارهابي في غزة كما تصفهم اسرائيل واصرارها على عدم الاعتذار لتركيا, كما انشغلت بوضع تكتيكات في حال قيام أي سفن خليجية أو ايرانية أو تركية أو قذافية مستقبلا بالابحار الى غزة , وأعلنت صراحة أنها ستضربها اضافة لانشغال رئيس الوزراء نتانياهو بتجميل مدينة القدس بعد "تنظيفها من المقدسيين" . الموقف في الشارع الفلسطيني متباين حول جولات ميتشل أو حتى في المفاوضات نفسها وبعضهم لا يفرق بين مفاوضات مباشرة وغير مباشرة مثلما لا يفرق بعض المدخنين بين الهيشة العريية والسيجارة الاسرائيلية أو السيجار الكوبي . وقد لاحظت في زيارتي الأسبوع الماضي للعديد من المدن والقرى الفلسطينية سجائر الفلسطينيين تشتعل في كل مكان , عللتها بطول فترة المفاوضات والضجر من الوضع السياسي والبطالة . مقاهي رام الله ارتفعت رائحة دخانها أكثر من غيرها فمقهى البرازيل أو المقهى العربي المقابل له أوحتى مقاهي الروف التي تفضلها الفتيات والعائلات للنرجيلة والتدخين خير شاهد , والأطفال والمراهقين والشيوخ كلما سمعوا عن جولات ميتشل أو مفاوضات يضاعفون ادمانهم على التدخين رغم أن أوضاعهم المادية تحت خط الفقر ب 2012 درجة . المفاوضات يقودها نخبة نظيفة مثقفة من الفلسطينين قبل وبعد اتفاقية أوسلو للسلام ولم يقم أحد منهم بالاستقالة رغم تعثر المفاوضات منذ أكثر من عشر سنوات وتكرارهم لنفس السيناريوهات , رغم أن ميتشل نفسه ربما يتخلى عن منصبه قريبا ؟ رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض المعروف بنزاهته وقوة شخصيته لم يتردد في فتح مشاريع وتأسيس لبنى تحتية لأقامة دولة فلسطينية ربما من جانب واحد اذا رفضت اسرائيل كعادتها اقامة دولتين , تصوروا أن نضع اسرائيل أمام الامر الواقع مع أن أمريكا عاجزة عن ذلك ؟ الحدود والأمن الركيزة التي يتستر خلفها المفاوضون من الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني لبدء المفاوضات ليقينهم أن مواضيع القدس واللاجئين أصبحت شبه مستحيلة, ومع ذلك حتى الحدود والأمن بقيا كما خلقتني يا رب ؟ دخان الشارع الفلسطيني هو تعبير عام متزايد عن الملل من المفوضات , هذا الكم الهائل من الدخان ربما يشكل انتحارا جماعيا للفلسطينيين أو سحابة تلتف حول رام الله وتحجب عنها أخبار غزةوالقدس , حتى طلاب المدارس لا يتورعون عن هجر حصصهم والتدخين في أي مكان ولو كان بيت الراحة؟ وحتى الموظفين في كل مرة تتأخر رواتبهم يلتهمون مزيدا من السجائر ؟ وفي الحافلات العامة يصر معظم الركاب أن من حقهم التدخين ؟ الدول المانحة التي مازالت مقصرة في الوصول الى الأفواة الحقيقية الجائعة عليها ضخ مزيد من السجائر للفلسطيينين خاصة في المخيمات الفلسطينيية التي لا يملك لاجئوها ثمن العشاء ومع ذلك جميع أفراد العائلة مدخنون لأن أجسامهم أدمنت بلادة النيكوتين بعد وضوح الاهمال الكامل لحق العودة الذي نسمع اسطوانته منذ ستين عاما . هل هي سياسة عالمية اغراق الأسواق الفلسطينية بالتبغ والتمباك والمعسل لتخديرهم عن المطالبة بحقوقهم أم وسيلة لاسكاتهم حتى قيام دولتهم بعد اعادة دراسة خارطة الطريق والمبادرة العربية ؟ القبلة من فم المدخن هي قنبلة تقذف في وجه متلقيها خاصة اذا كان طفلا لأن مناعته بسيطة لا تحتمل أربعة الاف مادة كيماوية سامة في نفخة واحدة, لذلك على المدخن عدم تقبيل أولاده أوحتى الاقتراب منهم , لأنه سينقل لهم سرطانا سرعته المفاوضات وجولات ميتشل وجعلت من أجسادهم طوابين متحركة, بل حتى فراش المدخن وملابسه يجب الحجر عليها, والمصالحة الفلسطينية التي أعلن توقفها وحلها , رغم الجولات الكثيرة في القاهرة ربما لم تجلب شيئا سوى التهدئة على أنفاق غزة التي مات فيها حتى الان أكثر من مئة وعشرون فلسطينيا وهم يهربون علب السجائر ؟ على مؤسسات مكافحة التدخين العالمية تشجيعه في الأراضي الفلسطينية والخروج على أخلاقياتها المهنية والاكتفاء بالاحصاءات عن عدد الموتى والمرضى من المدخنين , وتشكيل مؤسسة لحماية حقوق المدخنين ومطالبة الأنوروا بتوزيع علب السجائر لأنها أهم من رغيف الخبز عند البعض ؟ أما ان كان لتلك المؤسسات شكوى فلتكن ضد ميتشل والمفاوضين ؟ عدم الرضا والسخط السياسي والعنجهية الفصائلية المفرطة والحزبية البكتيرية عششت هذا الدخان المتصاعد من سجائر الأراضي الفلسطينية وجعلته تجارة حلال تتباهى به البنت قبل الشاب ؟ حقق التتن كامل فوائده لمصنعيه بالأرباح الهائلة التي تجنيها شركات التبغ الاسرائيلية من أسنان ونفخ العرب لأن السيجارة هي جزء من البضائع الاسرائيلية المنتشرة في العديد من الدول العربية والاسلامية , والمضحك أن الشارع الفلسطيني قام بحملة مقاطعة واتلاف لمنتجات المستوطنات الاسرائيلية قبل أشهر والوحيد الذي سلم هو الدخان , مع أن الحملة من أساسها مضحكة, فهل يخلو بيت فلسطيني من منتجات اسرائيل , كما أن العمال الفلسطينيون هم من يصنع المنتجات بل ويبني المستوطنات ؟ ربما استفاد بعض المزارعين من الفقر الذي طال الشارع الفلسطيني بمعاودة استصلاح بعض أراضيهم لزراعة أشتال الدخان للفها وبيعها بعد التجفيف بأسعار رخيصة مقارنة بسعر السجائر الاسرائيلية كما هو الحال في بعض أراضي جنين ؟ المستشفيات الفلسطينية والاسرائيلية حققت أرباحا باستقبال أصحاب الفشل الكلوي والسرطانات والضعف الجنسي وضيق الأوعية الدموية وارباك الدورة الشهرية والعمى والشيخوخة المبكرة والاجهاضات بعد قيام الحوامل أيضا بالنفخ بدل الرغي والطبخ ؟ كما أن المحاكم الشرعية استقبلت مزيد من حالات الطلاق بسبب قيام الزوج بالتدخين أو العكس وصعوبة الولوج لفراش الزوجية بسبب الروائح النتنة المنبعثة من قبلات الشريك وأنفاسه رغم محاولات الاقناع المستمرة أن السيجارة مهدئة للاعصاب وعلاج للاكتئاب خاصة على الريق؟ وتبجح أحدهم أن جده عاش مئة سنه وكانت السيجارة لا تفارق فمه ؟ الشارع الفلسطيني كله ينفخ في وجه ميتشل لأنه لم يحقق أي نتائج ؟ وربما ينفخ في وجه خلفه لنفس السبب؟ ونخشى أن يتحول الدخان الى حشيش ومخدرات كما هو الحال في أفغانستان التي فقدت الكثير من أرجل وأرواح مواطنيها قبل وبعد استلام كرزاي ؟ فطين عبيد اعلامي فلسطيني